باستمرار ، وهاجم القيروان بجيش قوامه أربعون ألف رجل ، فهرب المهدي والتجأ إلى المدينة الجديدة. وأنجده ملك قرطبة بأربعين سفينة فقاتل بها إلى أن هزم أبا يزيد وقتله وقتل أحد أبنائه. ومن هناك عاد إلى القيرووان وطمأن الشعب واسترد مودّته (١٣٦).
وظلت السلطة في أسرة المهدي حتى العصر الذي اتكلم عنه في هذا الكتاب (١٣٧).
وبعد ثلاثين عاما سقطت المهدية بيد النصارى (١٣٨) ولكن عبد المؤمن ، خليفة مراكش وملكها (١٣٩) استرد هذه المدينة بعد ذلك.
وهي الآن تحت سلطة ملك تونس الذي يرسل إليها حاكما ويثقل الضرائب على هذه المدينة. ويزاول سكانها التجارة البحرية ويعيشون في عداء كبير مع العرب ، حتى انهم لا يستطيعون زراعة أراضيهم.
__________________
(١٣٦) توفى المهدي عبيد الله في ٣ أذار (مارس) ٩٣٤ م وخلفه إبنه أبو الحسن محمد القائم إلى ان اندلعت في عام ٩٤٣ الثورة الخارجية الرهيبة التي كانت تؤجج بتأثير فقيه يدعى أبو يزيد مخلد بن كيداد ، من توزر في الجنوب التونسي. وقامت الجحافل المتعصبة والضارية بتخريب البلاد ، إلى أن حاصرت المهدية في ٩٤٤ م. ولما كان القائم قد توفي في ١٧ أيار (مايو) ٩٤٦ م فقد تمكن إبنه أبو طاهر اسماعيل المنصور ، عدة مرات بعد كر وفر ، أن يحاصر المتمرد في جبل تاكربوست ، قرب مسيلة وأن يأسره جريحا. ومات أبو يزيد بعد بضعة أيام أي بعد ١٩ آب (اغسطس) ٩٤٧ م. ولكن ابنه الفضل ، الذي يتكلم عنه المؤلف هنا ، لم يقتل غدرا إلا في أيار (مايو) ٩٤٨. وفي نفس هذا العام أي في ٩٤٨ م غادر المنصور المهدية نهائيا كي يجعل مكان إقامته جدا من القيروان ، في بلدة اختفت اليوم وهي صبرة ، التي اتخذت اسم المنصورية.
(١٣٧) بتاريخ ٦ آب (أغسطس) ٩٧٢ م غادر ابن اسماعيل المنصور ، وهو أبو تميم معدّ المعز ، غادر المنصورية نهائيا كي يذهب للاقامة في القاهرة ، ولكن مقر حكومة نائب الملك في افريقيا ظل في المنصورية. وفي بداية سنة ١٠٥٢ م وفي الوقت الذي كان نائب الملك هذا وهو المعز بن باديس ، والذي كان على خلافات شديدة مع خليفة القاهرة الفاطمي ، كان يقطع كل ولاء ديني ، أي الخطبة ، وكل طاعة تجاه مليكه وانحاز إلى الخليفة العباسي في بغداد. وهذا الانسحاب من التبعية هو الذي أدى الى زحف العرب الهلاليين. وهذا الزحف جعل حياته في القيروان مستحيلة. فأضطر إلى اللجوء ، تحت مظلة من حماية العرب ، إلى المهدية سنة ١٠٥٧ م. وعادت هذه المدينة حينذاك عاصمة ، ولكن عاصمة دولة صغيرة زيرية ، تعاني دوما مصاعب كثيرة مع جيرانها العرب الهمجيين.
(١٣٨) في سنة ٤٤٣ ه / بداية عام ١٠٥٢ م اعترف ملك افريقية الزيري ، المعز بن باديس ، اعترف رسميا بسلطة خليفة بغداد العباسي. وفي تاريخ ٢٢ حزيران (يونية) ١١٤٨ م ، الموافق ، ٢ صفر ٥٤٣ ه ، أي بعد مائة عام هجري استولى الاميرال جورج الأنطاكي على المهدية بإسم ملك صقلية روجر. وهرب الأمير الحسن الزيري.
(١٣٩) لقد استرد الخليفة الموحدي المهدية بعد حصار استمر بضعة أشهر في ٢١ كانون الثاني (يناير) ١١٦٠ م.