العباس ، وعند حكم السفاح ، أرسل هذا الخليفة قائدا يدعى الأغلب بن سليم ، الذي حكم في صورة ملك مستقل (١٥٣). وفي هذا العصر هجر الخلفاء المسلمون دمشق واستقروا في بغداد لأسباب معروضة في الكتب التاريخية الاسلامية (١٥٤). وبعد وفاة الأغلب تعاقبت ذريته في الحكم وبقيت أمارة افريقيا في أيدي هؤلاء الأمراء مائة وستين سنة ، إلى أن طرد آخر واحد منهم على يد الخليفة الشيعي المهدي (١٥٥).
وقد توسعت القيروان وازدهرت في زمن ملوك أسرة الأغلب كما كثر سكانها حتى إن المدينة لم تعد قادرة على احتواء كل سكانها. وهكذا بنى الملك (١٥٦) مدينة أخرى أطلق عليها اسم الرقادة ، حيث أقام مع شخصيات بلاطه الرئيسية. وفي هذه الحقبة تم فتح صقلية على يد الجيوش التي أرسلها بحرا بقيادة قائد يدعى علقمة. وقام هذا القائد ببناء مدينة صغيرة في هذه الجزيرة كي تكون قلعة لسلامته الشخصية وأطلق اسمه على هذه القلعة. وكادت هذه المدينة أن تسقط تحت حصار القوات التي قدمت لنجدة صقلية. ولهذا أرسل ملك القيروان قوات أكثر عددا بقيادة قائد باسل يدعى أسد ، الذي جاء ليدعم علقمة. فجمع الاثنان قواتهما واحتلا بقية المدن. وقد جلبت هذه الحملة واحتلال صقلية إلى القيروان التوسع والازدهار وتزايد السكان (١٥٧).
__________________
(١٥٣) حكم أول خلفاء بني العباس ، أبو العباس محمد ، والذي كنّى نفسه بالسفاح ، حكم بين ٢٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٧٤٩ م الى ٩ حزيران (يونية) ٧٥٤ م. وقام أخوه وخلفه ابو جعفر عبد الله المنصور ، بتعيين حاكم على افريقيا وهو قائد كان موجودا في هذه البلاد ، هو الأغلب بن سليم التميمي الذي شغل هذا المنصب من آب (أغسطس) ٧٦٥ م الى موته في ايلول (سبتمبر) ٧٦٧ م. وفي عام ٨٠٠ م عين الخليفة هارون الرشيد حاكما مطلق الصلاحية ابن الأغلب ، وهو إبراهيم ، الذي استلم منصبه في ٨ تموز (يولية) ٨٠٠ م وهو التاريخ الذي يشير الى بداية عهد الأسرة لأغلبية.
(١٥٤) لقد أقام السفاح في مدينة الأنبار ، وهي مدينة فارسية على الفرات ، ولكن أخاه وخلفه أبا جعفر عبد الله اختط بغداد سنة ٧٦٢ م.
(١٥٥) لم يمض سوى مائة وثمانية وأربعين عاما بين تقلد الأغلب بن سليم سلطانه في عام ١٤٨ ه وبين هرب زيادة الله بعد طرده من رقادة على يد الداعية أبي عبد الله في سنة ٢٩٦ ه ، ولكن قوة الأغالبة لم تكن مستقلة ووراثية إلا في أثناء مائة واثني عشر عاما هجريا ، أي بين ١٨٤ ه و ٢٩٦ ه / تموز (يولية) ٨٠٠ الى نيسان (ابريل) ٩٠٩ م.
(١٥٦) ابراهيم بن أحمد الذي حكم بين ٨٧٨ و ٨٧٩ م.
(١٥٧) علقمة هو اسم عربي حقيقي ، ولكن هذه الشخصية في هذا النص خيالية. فمدينة الكامو ، قرب بالرمو ، كانت تدعى في العصور القديمة لونغار يكوم ، ويبدو أن اسمها الحالي من أصل عربي ولا تزال تحمل آثار الاحتلال الاسلامي. وفي ١٣ حزيران (يونية) ٨٢٧ م انطلقت سبعون سفينة من ميناء سوسة وحملت إلى صقلية قوة قوامها ٧٠٠ فارسا بقيادة قاضي القيروان أسد بن الفرات ، بأمر من الملك زيادة الله. وابتداء من هذه الفترة أصبحت صقلية وجنوبي إيطاليا ـ