المتجمعة. والتربة هنا هزيلة ، ولهذا يجب العكوف على خدمتها وريّها بماء ينتح من أبار عميقة كي يمكن زراعة قليل من الشعير فيها. وينجم عن ذلك ندرة شديدة في الغلة ، وهذا يؤدي الى ارتفاع سعرها حتى إن الكيل يساوي فيها دائما ست دوبلات (١٧٠) وأحيانا أكثر. واللحم كذلك غال جدا.
وتقوم في الجزيرة قلعة شيدت على حافة البحر حيث يقيم الحاكم وأسرته. وبجوار القلعة توجد قرية ضخمه يقيم فيها التجار الغرباء ، من مسلمين ونصارى. ويقام في هذه القرية سوق مرة كل أسبوع. وهو يشبه معرضا لأن كل سكان الجزيرة يتجمّعون فيه ويقصده الكثير من العرب كذلك من البر وهم يقودون ماشيتهم ويجلبون إليه كمية كبيرة من الصوف (١٧١). ويعيش معظم سكان الجزيرة من تجارة الأقمشة الصوفية التي تصنع في الجزيرة نفسها. وهم ينقلونها إلى تونس وإلى الاسكندرية ، ويصدرون كذلك الزبيب.
ولقد هوجمت هذه الجزيرة قبل خمسين عاما تقريبا من اسطول نصراني احتلها ونهبها ، ولكن ملك تونس استردها بعد قليل واعاد إعمارها بالسكان من جديد. وحينئذ بنيت فيها القلعة ، إذ لم يكن فيها في الماضي سوى المداشر (١٧٢).
وكانت جربة تحكم باستمرار باسم ملك تونس ، ويتولى الحكم فيها باسمه رئيسا الحزبين اللذين تنتمي اليهما مجموعة سكان الجزيرة. وكان الملك يرسل اليها كذلك قاضيا وجابيا (١٧٣).
وعلى اثر موت الملك عثمان (١٧٤) طالبت الجزيرة بحريتها ، نظرا لضعف سلطة الذين خلفوه ، وسارعوا الى قطع الجسر الذي كان يربط الجزيرة بالبر ، خوفا من قدوم القوات عن طريق البر ، وعمد أحد الرئيسين لقتل وجهاء الحزب الآخر. وبذلك
__________________
(١٧٠) «عملة ايطالية قديمة من أجزاء الدوكا ، أي الدينار الايطالي» (المترجم)
(١٧١) ويقصد بها بلدة حومة السوق. أما القلعة المقصودة فقد تلاشت ، وليست هي كشتيل الموجودة في الجنوب.
(١٧٢) لقد كانت هذه الحملة بقيادة الفونس الخامس ملك آرغون ، ملك ايطاليا الاسبانية. وقد وقعت في آخر آب (اغسطس) ومطلع ايلول (سبتمبر) من عام ١٤٣٢ م. وجاء السلطان ابو فارس شخصيا لنجدة الجزيرة.
(١٧٣) منذ بداية دخول الجزيرة في الاسلام واعتناق اهلها هذا الدين ، انحاز سكانها للمذهب الخارجى من الفرع الإباضي وانقسموا الى مذهبين فرعيين متنافسين هما المذهب الوهبي والمذهب النكاري.
(١٧٤) توفي ابو عمرو عثمان في بداية شهر ايلول (سبتمبر) ١٤٨٨ م.