ظل وحده أميرا على الجزيرة وخلفه أقرباؤه من بعده ، وظلت الجزيرة تحت إمرتهم حتى يومنا هذا.
وتنتج جربة عشرين ألف دوبل من رسوم الجمرك والدخولية ، بسبب التجارة الكبيرة التي تمارس فيها ، إذ يقصدها الكثير من تجار الاسكندرية وتونس والأتراك. ولكن الناس الذين يسيطرون على الحكم فيها يلجأوون إلى أشد أنواع الغدر : فالابن يقتل أباه ، والأخ يفتك بأخيه كي يحصل على الزعامة ، حتى لقد قتل فيها ستة امراء في فترة خمس عشرة سنة.
وفي أيامنا أرسل فرديناند ملك أسبانيا الى جربة اسطولا كبيرا بقيادة دوق دالب. ولما كان هذا لا يعرف شيئا عن الجزيرة ، أنزل قواته على مسافة بضعة أميال من الساحل. وقد دافع المسلمون ببسالة عن الجزيرة ، واضطر الأسبان للقتال متقهقرين. وقد عانوا مشقة شديدة من الحر اللاهب ومن العطش إذ لم يجدوا ماء للشرب. وقد نزلوا في وقت المدّ : وعند عودتهم كان البحر بحالة الجزر ، وانسحبت المراكب مع موجة الجزر كيلا ترسو على القاع حتى لقد كان هناك أربعة آلاف من الغرقى بسبب انحسار البحر. وقد أضيف هؤلاء الى الجنود الأسبان الذين كانوا منهكين ورأوا أنفسهم في خطر جعلهم يهربون بحالة فوضى نحو سفنهم ، وكان يطاردهم الفرسان المسلمون. وقد قتل معظمهم او سقطوا فى الأسر. ولم يتمكن من العودة الى صقلية مع الأسطول سوى القليل منهم (١٧٥). وبعدئذ ، وفي زمن صاحب الجلالة القيصرية الامبراطورية شارل ، أرسل أسطولا آخر إلى جربة بأمر منه ، تحت قيادة دون نوفو ، فارس ورئيس دير من طائفة القديس يوحنا في مدينة مسينا. وقد استطاع هذا الأخير بفضل يقظته ومهارته وبدون الاشتباك في معركة ان يحظى بخضوع المسلمين الذين تعهدوا بدفع جزية معينة لصاحب الجلالة القيصرية الامبراطور واوفدوا سفراء وصلوا المانيا لتوثيق الاتفاقيات التي عقدوها مع القائد دون نوفو. وقد
__________________
(١٧٥) قرر الكونت ببارنا فارو بعد استيلائه على طرابلس في ٢٥ تموز (يولية) ١٥١٠ م أن يقوم بمحاولة ضد جزيرة جربة. وفي يوم الجمعة ٣٠ اب (اغسطس) عند الفجر نزل فيها ١٢٠٠٠ رجل قادمين من طرابلس و ٣٠٠٠ من بجاية ، وكان بينهم ولدا دوق دالب ، وقد قتل أحدهما وهو غارسيا دو طليطلة بصورة بطولية في المعركة. وبلغت الحسائر ١٥٠٠ رجل منهم ١٠٠٠ ماتوا عطشا ، أو على الأصح بضربة الشمس ، وسقط ٥٠٠ بين قتيل وجريح. وعادت القوات الباقية في المساء ، وفي صبيحة اليوم التالي عاد الاسطول الى طرابلس.