وقد اصبح العرب ، الذين ظلوا في طمأنينة ، مواطنين في هذه البلاد واختلطوا بالأفارقة ، الذين تبنوا في ذلك العصر ، اللغة الايطالية ، لأنهم كانوا محكومين خلال سنوات طويلة من قبل الطليان. وبنتيجة هذا الواقع ، وعلى اثر العلاقات المستمرة مع الأفارقة الذين كانوا يعيشون بينهم ، فسدت لغتهم الأصلية وأصبحت هذه خليطا من كل اللهجات الافريقية. وهكذا انصهر شعبان مختلفان وأصبحا شعبا واحدا (٧٨) ولكن كان كل عربي يحتفظ دائما بعادة حفظ نسب آبائه العرب ، وكذلك كان يفعل كل بربري. وهذا أمر هام كي يستطيع كل كاتب عدل او محرر عقد رسمى أن يسجل اسم صاحب المعاملة ، سواء أكان عربيا أم بربريا (٧٩).
العرب الذين يسكنون في افريقيا ويتخذون
بيوتهم من الخيام لا من المنازل المبنية
جظر الخلفاء المسلمون دوما على العرب عبور نهر النيل مع عائلاتهم وخيامهم حتى عام أربعمائة للهجرة ، الى أن حصل هؤلاء على الترخيص بذلك من خليفة شيعي ، لأن
__________________
المباغتات التي قد تصدر من المنطقة الجبلية. ولا يبدو ان عقبة قد أحرز نجاحات أكبر من سلفه. ولكن الذي منحه شهرته هي الغارة الرائعة التي اندفع بها حتى المحيط والسوس ملتفا من خلف جبال الأطلس حيث لا يبدو أنه اصطدم بشدة بالقوى الامبراطورية البيزنطية. وقد لاقى حتفه عند عودته في عام ٦٨٢ م او ٦٨٣ م في كمين انصب له في موقع تهوده ، قرب بسكره.
(٧٨) على اثر موت عقبة ، اضطر العرب للانسحاب الى برقة حيث ظلوا خمسة اعوام ، في حين اصبح الزعيم البربري كسيله حاكما على افريقيا. وفي عام ٦٨٧ أرسل الخليفة عبد الملك ، الذي سبق له ان اشترك في حملة عام ٦٦٥ م ، نجدات لجيش برقة كي يمكنة من تجريد حملة تأديبية ضد كسيلة. فأنكسر الزعيم البربري وقتل في المعركة. ولكن اضطرت الجيوش العربية الى التوقف. أو حوالي العام ٦٩٣ م أراد الخليفة عبد الملك ان يحسم مشكلة افريقيا ، وذلك بانتزاع قرطاج من الامبراطورية الرومانية في القسطنطينية وتحطيم قوة أكبر زعيمة بربرية في ذلك العصر وهي كاهنة ديا ، ملكة الاوراس ، فأرسل أكبر جيش عربي بعث الى افريقيا قوامه ٤٠٠٠٠ رجلا تحت إمرة الحسن بن النعمان. فاستولى هذا على قرطاج ولكن استردتها القوات الرومانية بعد عامين ، وانتهى الأمر بانهزام جيش الحسن أمام جيش الكاهنة واضطر للانسحاب لمدة خمسة أعوام أخرى حتى منطقة طرابلس وصحراء سيرت. وعلى أثر ذلك ، أى حوالى العام ٦٩٨ م أرسل عبد الملك نجدات جديدة ، وفي هذه المرة اندحرت الكاهنة وقتلت بتاريخ ومكان لا يزالان مجهولين. وهكذا أخضع الحسن كل المنطقة وعاد الى القيروان حوالى العام ٧٠٤ م ، بعد ان استتب له الامر وأخضع البربر والرومان للجزية. وابتداء من تلك الفترة استطاع العرب فعلا ان يستقروا في بلاد البربر. ويستحيل علينا تخمين عددهم. هذا وعلى الرغم من انصهار أكثرية عرب المدن في السكان الافريقيين فقد ظلت جماعات نقية منهم في مواقع مختلفة من هذه البلاد.
(٧٩) وهذه الاشارة تعني فقط اسم الأصل القبلى ، بحيث لا نستطيع تحديد ما اذا كان الشخص عربيا أو بربريا الا بعد معرفة نسب قبيلته لأحد هذين الشعبين. وهكذا كان الحسن الزياتي ينتسب أصلا لقبيلة زيات ، وربما كانت بربرية رغم أن أسرته كانت تسكن غرناطة ، ولكننا لا نستطيع أن نجزم بذلك.