شخصا ما ، كان صديق الخليفة ومولاه ، تمرّد واستولى على السلطة في مدينة القيروان وفي كل بلاد البربر. وبعد موت هذا الرجل ظلت السلطة خلال فترة من الوقت في أيدي أسرته(٨٠).
ولقد قرأت في مؤلفات مؤرخي أفريقيا أنه في عهد القائم ، وهو خليفة هذه الأسرة الشيعية وزعيمها الروحى ، قد امتدت مملكته وبلغت درجة كبيرة من الاتساع ، وأن مذهبه الديني قد ازداد انتشارا لدرجة جعلته يرسل الى الغرب مملوكا له اسمه جوهر ، وكان هذا عبده وأمين سره ، على رأس جيش كبير جدا (٨١) فاستولى على كل بلاد البربر ونوميديا ووصل حتى الجنوب ، وجبى كل ضرائب هذه البقاع وعوائدها. وبعد ان أتم مهمته ، عاد الى سيده ووضع بين يديه ما جمعه من ذهب ومن اموال أخرى من هذه البلاد.
وبعد ان وقف الخليفة على قيمة الرجل وأدرك النجاح الباهر الذي حققه ، خطط لمشروع أكبر يعهد اليه بأمر تنفيذه ، وأفضى اليه به (يقصد فتح بلاد المشرق). فأجابه جوهر. «مولاي ، أعطيك الوعد التالي : مثلما فتحت لك مناطق الغرب ، كذلك سأستولى على ممالك الشرق ، أي مصر ، وبلاد الشام وكل جزيرة العرب. وسأنتقم لك عن كل الاهانات التي لحقت بأجدادك على يد أسرة العباسي (٨٢). ومهما تكن المخاطر والمصاعب التي سأواجهها ، فلن أتوقف عن إعادتك لعرش أجدادك العظام الكرام ، وهم أصل دمك الشهير». وهكذا قام الخليفة الذي تأثر بهذه البسالة ووثق بكلام مولاه بتجهيز جيش قوامه ثمانون ألف رجل وعهد به لجوهر مع كل الصلاحيات ، وزوده
__________________
(٨٠) لقد حدث في عام ٤٤١ ه ١٠٥٠ م أن قبائل عربية كانت تسكن مصر حصلت على ترخيص من الخليفة الفاطمي في القاهرة بالهجرة الى المغرب. وابتداء من آب (أغسطس) ٩٧٢ كانت الأسرة الصنهاجية ، ممثلة بالأمراء الزيريين تحكم في القيروان. وقد كانت هذه الهجرة جوابا لقطع الخطبة والتبعية السياسية التي قام بها الأمير الزيري. وقد عملت هذه الهجرة ، التي تحمل في كتب التاريخ اسم غارة بني هلال ، أو الزحف الهلالي ، على تقويض سلطة الملوك الزيريين كثيرا ، ولكن هذه السلطة لم تتلاش تماما إلا بعد سقوط المهدية في يد نصارى صقلية ، بتاريخ ٢٢ حزيران (يونيه) ١١٤٨ م ، وخاصة بعد انتصار الخليفة الموحدي عبد المؤمن في سنتي ١١٥٩ ـ ١١٦٠ م.
(٨١) لقد توفي الخليفة الفاطمي أبو القاسم محمد القايم بأمر الله بتاريخ ١٧ أيار (مايو) ٩٤٦ م قبل الحادث الذي تكلم عنه المؤلف بأمد طويل ، واما الذي يذكر المؤلف انه ارسل مملوكه على رأس جيشه الى بلاد البربر ونوميديا ، فهو حفيد القائم بأمر الله ، وهو ثاني خليفة فاطمي ، وهو أبو تميم معدّ المعز لدين الله فقد أرسل في شهر أيار (مايو) عام ٩٥٨ م ، جيشا بقيادة أبي الحسن اسماعيل بن عبد الله ، الملقب بجوهر الكاتب ، لكي يعيد لطاعته امراء بلاد البربر الذين انفصلوا عنه ودخلوا في طاعة خليفة قرطبة الأموي.
(٨٢) يقصد خلفاء العباس.