في خارج الأسوار أو في داخلها ، حتى أننا لا نجد مدينة تماثلها في العالم.
وبعد أن رأى جوهر أن خليفة بغداد لم يقم بأية تجهيزات لحملة عسكرية ، أخطر سيده بأن كل المناطق التي فتحها قد دانت له بالطاعة ، وأن الأمن قد استتب ، وأن كل المواقع بحالة أهبة للدفاع ومحروسة بشكل جيد. وعرض عليه فيما إذا كان من الممكن لجنابه أن ينتقل شخصيا الى مصر ، ذلك أن وجوده بمصر يعدل مئات الألوف من الجنود ، بل يزيد أثره على ذلك في فتح ما تبقى من بلاد. وسيكون ذلك سببا لكي يترك خليفة بغداد منصبه ويلجأ للهرب. وعندما بلغت هذه المناشدة الشهمة مسامع الخليفة الفاطمي ، قام بتجهيز جيش لجب ، وامتلأ تيها بهذا النجاح الجديد ، وقصد مصر دون اعتبار ما قد يحدث من مخاطر. وترك أميرا من قبيلة صنهاجة واليا وقائدا عاما على بلاد البربر ، ولم يكن هذا الأمير صديقه فحسب ، بل كان كذلك خادما في منزله (٨٩). وعندما بلغ الخليفة القاهرة ، استقبله خادمه بكل إجلال. ولما كانت نفسه مشبعة بالمشاريع الكبرى فقد أنفذ جيشه ضد خليفة بغداد (٩٠).
وفي غضون ذلك ، تمرد الحاكم الذي خلفه في بلاد البربر وقدم خضوعه لخليفة بغداد الذي سر بهذا الحادث ، ومنحه امتيازات واسعة مثلما منحه لقب ملك كل إفريقيا. وعندما علم القائم بذلك وهو في القاهرة اعتبره نبأ مؤلما لأنه موجود في خارج مملكته ، ولأنه أنفق كل احتياطيه من الذهب والمؤن التي حملها معه (٩١) ، ولما طار صوابه ولم يعرف أين يقف ، راح يصب لعناته على مولاه جوهر وما اقترحه عليه بشأن قدومه إلى مصر. وقد كان بجواره أمين سر له ، رجل عالم حاد الذكاء ، اسمه أبو محمد الحسن (٩٢) وقد أدرك
__________________
(٨٩) لقد غادر الخليفة أبو تميم معد المعز قصره المنصورية قرب القيروان بتاريخ ٦ آب (أعسطس) ٩٧٢ م ولم يصل الى القاهرة إلا في ١١ حزيران (يونية) ٩٧٣ م. وعهد بنيابة الملك على بلاد البربر لرجل شجاع ، هو يوسف بن زيرى ، الملقب بولوغّين ، أمير صنهاجه.
(٩٠) هذا الزعم غير صحيح ، ففي الداخل كان عليه حماية حدوده من تهديدات القرامطة المخيفة.
(٩١) وهنا يرتكب المؤلف خطأين تاريخيين. فعندما وقعت هذه الأحداث كان الخليفة القائم قد توفي منذ مائة عام ، أي بتاريخ ١٧ أيار (مايو) ٩٤٦ م ، وكان حفيده فاتح مصر معد المعز قد توفي بتاريخ ٢٢ كانون الأول (ديسمبر) ٩٧٥ م ، وكان الخليفة الفاطمي في مصر في ذلك العهد هو أبو تميم المعز المستنصر. هذا هو الخطأ الأول. وأما الخطأ الثاني فهو أن يوسف بن زيري كان قد توفي في شهر ماي (أيار) ٩٨٤ م ، وأن أحد حفدته ، وهو المعز بن باديس ، هو الذي انشق على حكومة مصر الشيعية ، وانتهى به الأمر ان خضع في سنة ١٠٥٠ م لخلافة بغداد السنية. وقد شجعه على ذلك نجاح الدعوة السنية في بلاده وانتشار المذهب السني في مختلف ارجائها.
(٩٢) اليازوري وهو قاضي القاهرة الكبير ، تولى منصب رئاسة الوزارة عام ١٠٥٠ م.