على حمل السلاح يقارب الخمسين ألفا ، باستثناء النساء والأولاد والمواشي وكان عدد هؤلاء لا يحصى. وقد ذكر المؤرخ الإفريقي ابن رقيق ، الذي سبق لنا الكلام عنه ، تقديرا صحيحا عنهم (٩٤). وهكذا اجتاز العرب الصحراء التى قلنا إنها تقع بين مصر وبلاد البربر ، في قليل من الوقت. وتوقفوا قليلا لضرب الحصار على طرابلس ، واستولوا على هذه المدينة عنوة وخربوها ، وقتلوا كل أولئك الذين تمكنوا من قتلهم. وانطلقوا من هناك إلى قابس التي هدموها. وأخيرا حاصروا القيروان. ولكن الأمير الثائر الذي كان قد اختزن الأقوات وكل ما كان يحتاج إليه استطاع أن يصمد للحصار المضروب على المدينة مدة ثمانية أشهر إلى أن اجتاحها العرب بالقوة ودمروها. أما هو فقد اغتيل بعد أن تعرض للعديد من أشكال التعذيب (٩٥).
وعلى أثر ذلك استحوذ العرب على جميع الأرياف وسكنوها وفرضوا على كل مدينة غرامات وتكاليف باهظة. وظلوا سادة هذه المنطقة من إفريقيا حتى عهد يوسف بن تاشفين (مؤسس دولة المرابطين) وهو أول ملك في مراكش. فاستخدم هذا كل سلطته لنجدة أولئك الذين يمتون بصلة القربى والصداقة إلى الأمير الثائر المتوفي. ولم يهدأ إلا بعد أن أنقذ المدن من هيمنة العرب (٩٦).
__________________
(٩٤) يبدو من المشكوك فيه كثيرا ان يكون ابراهيم بن قاسم الرقيق قد تكلم عن الزحف الهلالي. فقد عاش هذا الرجل في اواخر القرن العاشر الميلادي. وآخر ذكر ورد عن مؤلفاته كان في عام ١٠٢٧ م [وربما كان اسم هذا المؤرخ ابن رشيق]. كما ان القبائل لم تأت مباشرة من جزيرة العرب ، بل من مصر ، حيث كانت هذه القبائل تحت نوع من حصار بسبب شغبها بعد ان اشتركت في العمليات الحربية ضد القرامطة واصبحت لا تطاق بجوار الفلاحين المصريين الوديعين. وكان في ذلك فرصة للتخلص منهم.
(٩٥) لقد حفظ التاريخ ذكر هذه الهجرة تحت اسم الزحف الهلالي أو هجرة بني هلال ونسب إليها صفة الوحشية المفرطة. بيد أن دراسة النصوص لا تدل اعلى أنها كانت انقضاضا ضاريا وهداما كما تصورها الكثيرون ، ولكن برقة وحدها ، التي كانت مزدهرة حتى ذلك الحين ، هي التي تخربت نهائيا. ولم تقع سوى معركة حامية واحدة هي معركة جندر ، او جندران ، أو حيدران ، قرب مدينة القيروان. فقد استطاع ثلاثة آلاف فارس ، ومثلهم تقريبا من المشاة العرب ، أن يلحقوا الهزيمة بأمير إفريقية بعد مباغتته يوم العيد بتاريخ الاثنين ١٣ نيسان (أبريل) ١٠٥٢ م ، وهو الأمير المعز الذي كان على رأس جيشه بينما كانت قواته تنصب الخيام لكي تعسكر فيها. أما نهب القيروان الحقيقي فلم يحدث إلا بعد ستة أعوام ، وذلك بعد أن غادر المعز هذه المدينة كي يلجأ إلى المهدية ، حيث توفي فيها نتيجة موت طبيعي بتاريخ ١٤ آب ١٠٦٢ م. وقد خسر بالفعل تقريبا كل مملكته ، رغم أنه زوج ثلاثا من بناته من أمراء من العرب. ولكنه ظل محتفظا مع أحفاده حتى تاريخ حزيران (يونية) ١١٤٨ م بسلطة رمزية على المهدية ، الواقعة على الساحل التونسي.
(٩٦) في عام ١٠٥٣ م اجتاحت صنهاجة أو زناجة ، وهم الملثمون ، والذين يذكرهم التاريخ باسم المرابطين ، والذين يذكرهم الحسن دوما باسم لمتونة ، وهم اسم أهم قبائلهم ، أقول اجتاحت إمارة سجلماسة المزدهرة ، ولقد تطلب فتح بلاد ـ