ومع هذا ظل العرب في البوادي يقتلون وينهبون كل ما يمكن أن يقع تحت ايديهم. وفي أثناء ذلك ظل أقارب الأمير المتمرد يمارسون السلطة في أماكن مختلفة.
ولكن عندما آلت السلطة إلى المنصور ، رابع ملك وخليفة في دولة الموحدين ، لم يعمل كما صنع أسلافه الذين كانوا يحاربون لمصلحة أحفاد الأمير الثائر ويعيدون لهم سلطتهم ، بل اتخذ قراره بمناصبتهم العداء وانتزاع أية سلطة منهم. وتصرف لذلك بمكر ودهاء ، وعقد معاهدات معهم ، ثم حرض العرب على محاربتهم ، فانتصر هؤلاء عليهم بدون كبير عناء. وحينئذ اصطحب المنصور أهم رجالات العرب وأمراءهم إلى ممالك الغرب ، فأقطع زعماءهم منطقة دكالة وأزغار ومنح نوميديا لعامتهم (٩٧).
__________________
ـ البربر أربعين عاما فوصلوا حتى مدينة الجزائر ، وتوغلوا في أسبانيا حتى مدينة فراغا في أراغون ، تحت قيادة زعيمهم الشهير يوسف بن تاشفين ، وهو الذي تقلد أمر قيادتهم في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) ١٠٦١ م ، وأسس مراكش عام ١٠٦٢ م ومات بتاريخ الثالي من أيلول (سبتمبر) ١١٠٦ م عن عمر يبلغ ٩٦ عاما. ولا يبدو أن يوسف بن تاشفين قد اهتم كثيرا بشأن مشاكل العرب مع الامراء الصنهاجيين. بل كل ما هنالك يظهر أنه احترم اسم ذلك النسب القبلي البعيد ، وهو امارة بني حماد الصنهاجية ، التي كانت عاصمتها حينذاك تاكربوست ، أو قلعة بني حماد ، قرب مسيلة بالقطر الجزائري.
(٩٧) يظهر هذا العرض غير صحيح إطلاقا. فبعد أن نودي بعبد المؤمن بن علي خليفة الموحدين في ١١ آذار (مارس) ١١٣٢ م قام هذا بالاستيلاء على كل شمالي أفريقيا ، أو بلاد البربر عند الوزان ، وفي ١١٦٠ م اعترفت برقة بسلطته. وفي شباط (فبراير) ١١٥٢ م احتل بجاية التي كانت منذ ١٠٦٧ م عاصمة الأمراء الحماديين ، وخرب عاصمتهم القديمة ، قلعة بني حماد ، تماما. ولكن العرب ، على العكس ، هم الذين عملوا على دعم الأمراء الصنهاجيين. فبعد أن حشدوا جموعهم في بأجة أنقضوا في أيار (مايو) أو حزيران (يونية) عام ١١٥٣ م على ستيف ، أي على مؤخرة جيش الموحدين العائد إلى المغرب. وبعد معركة حامية الوطيس امتدت على ثلاثة أيام انهزموا وطوردوا إلى أن أعلنوا خضوعهم الذي استمر حتى عام ١١٨٥ م. فتلاشت مملكة بني حماد في بجاية ولم يبق منها سوى الإمارات الصنهاجية في إفريقية ، أي في الشمال التونسي. وعلى أثر الاستنجاد بعبد المؤمن لطرد نصارى صقلية من المهدية ومن الساحل التونسي الذي احتلوه عام ١١٤٨ م انطلق من مراكش في تشرين الأول (اكتوبر) ١١٥٨ م ودخل بدون مقاومة الى تونس في الرابع من حزيران (يونيو) ١١٥٩ م وانتزع المهدية منهم في ٢١ كانون الثاني (يناير) ١١٦٠ م بعد حصار طويل. وقام بتصفية الأمراء الصغار المحليين وعين مكانهم حكاما من الموحدين. وعند عودته إلى المغرب اصطحب عبد المؤمن معه عددا من العرب مع عائلاتهم. واضطر ابنه وخليفته أبو يعقوب يوسف أن يقوم بحملة استغرقت عامين من ١١٧٩ م إلى ١١٨١ م لإخضاع إفريقية. وبعد عودته الى مراكش بقليل جاءت كتيبة كبيرة من العرب لتضع نفسها تحت تصرفه. وفي ٣٠ تموز (يوليو) ١١٨٤ م نودي بأبي يوسف يعقوب ، الملقب بالمنصور خليفة الموحدين الرابع ، إذا اعتبرنا ابن تومرت الخليفة الأول ، أو ثالث خليفة مؤمني (أي بعد عبد المؤمن. وذلك إذا اعتبرنا عبد المؤمن هو الخليفة الموحدي الأول). وفي العاشر من أيار (مايو) ١١٨٥ م نزل في بجاية دعىّ لإعادة حكم المرابطين ، هو علي بن إسحق بن غانية ، أمير جزيرة ماجورقة ، مع بضعة من إخوته وقواته. وبعد أن أحرز المرابطون عدة نجاحات محلية ، اضطروا للانكفاء نحو الجنوب التونسي ، حيث حرضوا العرب على العصيان ولاقوا عونا من الفرق التركية القادمة من مصر بقيادة احد مماليك صلاح الدين الايوبي ، وهو قراقوش الارمني الاصل. واصبح الوضع خطيرا. فغادر الخليفة المنصور عاصمته مراكش في ١٧ كانون الأول ١١٨٦ م واندفع لإستعادة قفصه وقابس ، وكسر المرابطين والاتراك ـ