ويقوم في داخل المدينة تل عال جدا يشابه تل تستكشيو في روما (٤٦) يعثر فيه على الحديد من الأبنية القديمة ، وفي الواقع هو عبارة عن تل اصطناعي (٤٧). ويقوم فوق هذا المرتفع برج صغير حيث يقوم راصد على الدوام لمراقبة السفن التي تمر. ويتقاضى عن كل سفينة يخبر عنها موظفي المكس جعالة معينة ، وإذا نام أو راح يتروض أو وصل مركب دون أن يخبر عنه موظفي المكس ، يحكم عليه بغرامة تبلغ ضعف جعالته ، وتدفع هذه الغرامة لخزينة السلطان.
وكل منازل الإسكندرية مبنية فوق صهاريج ماء ذات قناطر تقوم فوق أعمدة وأقواس. ويصل ماء النيل حتى هذه الصهاريج. وفي الحقيقة يصل الماء على أثر الفيضان بواسطة قناة اصطناعية محفورة في السهل ، من النيل حتى الإسكندرية حيث يدخل بعد مروره من تحت سور المدينة (٤٨) ، كي تصب في الصهاريج كما قلنا قبل قليل.
أما فيما يتعلق بموارد هذه المدينة ، فالإسكندرية واقعة في وسط صحراء رملية ، حتى إنها لا تملك شيئا لا من الأراضي الزراعية ولا من الكروم ولا من مزارع الأشجار المثمرة. ويجلب القمح إليها من مسافة أربعين ميلا منها. ويوجد قرب القناة التي تجر ماء النيل إليها بعض بساتين الخضر الصغيرة ، ولكن منتجاتها مؤذية. على الأكثر ، لأن الناس يصابون بالحمى أو بالأمراض الأخرى بمجرد أن يتناولوا شيئا منها. وعلى مسافة ستة أميال تقريبا من المدينة ، من ناحية الغرب ، توجد أبنية قديمة جدا منها عمود ضخم للغاية وشديد الارتفاع يحمل اسما عربيا هو عمود السواري. ونجد مكتوبا في المؤلفات التي تكتب عن عجائب العالم في زمن الاسكندر أن فيلسوفا يدعى بطليموس بناه لتأمين سلامة المدينة تجاه العدو (٤٩). وقد وضع في ذروة هذا العمود مرآة
__________________
(٤٦) تل من الردم ارتفاعه ٣٥ م قرب نهر التيبر جنوبي روما.
(٤٧) كان يوجد في ذلك العصر تلان أحدهما في داخل الإسكندرية والآخر في خارجها. وكان اسم هذه المرتفعات الثلاثة : كوم الديماس ، أي تل القبو ، وكوم الديك ، وفي الخارج كوم الشقفة (كوم الشقافة) أي تل الكسرات ، ومن المفترض أن توجد الأشياء الأثرية في كوم الديماس.
(٤٨) في منطقة تقابل تقريبا موقع محطة السكة الحديدية الحالية.
(٤٩) يقع هذا العمود في الحقيقة على مسافة نصف ميل ، أو ٨٠٠ م من جنوب غرب باب سدرة ، وإن كان يظهر من اسمه العربي أنه باب سوارى السفن فإن معناه هنا عمود الأعمدة. وكان يدعى بالفرنسية عمود بومبي Pompee. ويبدو أنه شيد سنة ٣٩٢ لتمجيد ذكرى الامبراطور ديوقليسيان.
[الصحيح أنه شيد لذكرى استشهاد المسيحيين المصريين (الأقباط) على يد ديوكلسيان الذي كان من ألد أعداء المسيحية] (المراجع).