ومبنية بشكل حسن جدا ، ومؤلفة من أبنية مرتفعة تعلوها قباب كبيرة. وقام سلطان عاش في زمن قريب منا بمد شارع بين جدارين عاليين ، يبدأ من أحد أبواب المدينة ويمتد حتى المكان الذي توجد فيه القبور (٩٨). وفي نهاية هذين الجدارين ، كان يوجد برجان للحرس الذي يرصد البضائع القادمة من ميناء جبل سيناء.
وعلى مسافة ميل من هذه الأضرحة تقع الأراضي الزراعية المسماة المطريّة. وهنا يقع البستان والشجرة الوحيدة التي تنتج البلسم ، إذ لا يوجد في العالم قاطبة سوى هذه الشجرة. وقد زرعت في وسط نبع يشبه البئر ، وهي ليست بالشجرة الكبيرة جدا وأوراقها تشابه أوراق الكرمة ، ولكنها أصغر. وبناء على ما سمعته يعتقد السكان أنه إذا انخفض ماء العين ، يبست الشجرة فورا ، وسيحدث لها أسوأ من ذلك إذا سقيت من ماء آخر. وفي ذلك إحدى عجائب الطبيعة. والبستان الذي تقع فيه محاط تماما بأسوار حصينة ، ولا يمكن الدخول إليه إلا بالتماس كبير أو بفضل بعض الهدايا التي تقدم للحارس (٩٩).
وتقع في وسط النيل ، وتجاه المدينة القديمة ، جزيرة تدعى المقياس ، لأنه يظهر فيها الجهاز الذي يقيس فيضان النيل (١٠٠). وبالفيضان يتعلق الرخاء أو المجاعة التي سيسود أحدهما في مصر. وهي تجربة لا تخطىء توصل إليها قدامى المصريين.
وهذه الجزيرة غاصة بالسكان ، وتحوي قرابة ألف وخمسمائة أسرة. ويظهر في نهايتها قصر كبير بناه سلطان عاش في أيامنا ، وجامع فسيح ذو مظهر جميل لأنه على حافة النهر. وعلى طرف هذا الجامع يقع بناء صغير منعزل ومغلق ، أقيمت في وسطه حفرة مربعة مغطاة عمقها سبعة عشر ذراعا (١٠١). وعلى واجهة هذه الحفرة تنفتح قناة باطنية
__________________
(٩٨) كانت قبور السلاطين التي تدعى خطأ اليوم قبور الخلفاء ، أي أضرحة الخلفاء الفاطميين ، كانت واقعة في المكان الذي قام فيه خان الخليلي ، ولكنها خربت واختفت ، مثلما اختفى الطريق المذكور. ومن المحتمل أن برح الظفر الذي بقيت منه أطلاله ، كان أحد برجي المراقبة. أما ميناء سيناء فمن المحتمل أنه كان القلزم الذي حل مكانه ميناء السويس.
(٩٩) هناك مسافرون فرنسيون معاصرون تقريبا للمؤلف أعطونا وصفا عن بستان المطرية ، أي بستان العذراء مريم ، وكذلك عن البلسم ، أكثر تكاملا وأكثر صحة. فلم يكن عبارة عن حديقة هزيلة يقصدها السياح ، بل كان من أكثر الأمكنة أهمية في العالم.
(١٠٠) وتدعى هذه الجزيرة الروضة ، وكان المقياس في نهايتها.
(١٠١) في الحقيقة ١٤ ذراعا ، والذراع ٥٤ سم ، ويقسم كل ذراع من الأذرع العشرة العليا إلى ٢٤ قيراطا ، أو إصبعا ، او ٢٢٥١ سم.