تتصل مع مجرى النيل. وفي وسط الحفرة عمود مدرّج ومقسم إلى عدد مساو من الأذرع لعمق الحفرة ، أي سبعة عشر ذراعا. وعندما يأخذ النيل بالزيادة (١٠٢) ، يدخل الماء في القناة ويصل إلى الحفرة. ويصعد يوميا بمقدار إصبعين ، وفي يوم ثلاثة أصابع ، وفي يوم آخر نصف ذراع. ويأتي كل يوم أشخاص معينون لهذه الوظيفة لمراقبة ارتفاع الفيضان على هذا العمود (١٠٣). وينقلون ذلك لأولاد معممين بمنديل أصفر كي يمكن التعرف عليهم ، ومهمة هؤلاء الأولاد إعلان ارتفاع النيل في سائر أنحاء القاهرة وفي الأرباض. وينالون على ذلك هدايا من كل الصناع ومن كل التجار ومن النساء حتى نهاية الفيضان. وتبيّن التجربة أنه إذا بلغ الفيضان خمسة عشر ذراعا على العمود ، فإن العام سيكون ممتازا (١٠٤) ، وإذا لم يبلغ مستواه لأكثر من اثني عشر ذراعا إلى خمسة عشر ذراعا فإن العام سيكون هزيلا. أما إذا تراوح بين عشرة أو اثني عشر ذراعا فإن هذا يدل على أن سعر كيل القمح سيبلغ عشرة دنانير. ولكن إذا بلغ الفيضان ثمانية عشر ذراعا فإن كل الأماكن المسكونة في مصر ستتعرض لخطر الغرق. وعلى موظفي المقياس تحذير السكان من ذلك ، وينطلق الأولاد في الشوارع صارخين : «أيها الناس اتقوا الله من جبل إلى جبل». وهذا معناه أن الماء يصل إلى الجبل في ضفة النيل وإلى الجبل الآخر على الضفة الأخرى. وعندئذ يستبد الخوف بالناس ويؤدون الصلوات ويعطون الصدقات.
وهكذا يستمر تزايد النيل في اثناء أربعين يوما ويتناقص في أثناء نفس الفترة من الوقت (١٠٥) ، وفي أثناء تلك الفترة من حركة المياه يلاحظ نقص في الأقوات. ولهذا يكون لكل واحد الحق في أن يبيع الخبز بالسعر الذي يريد. ولكن ذلك يتم مع نوع من (١٠٦)
__________________
(١٠٢) أي من بعد ١٧ حزيران (يونية).
(١٠٣) كان هناك شيخ مقياس النيل ، كان له في الماضي لقب القاضي.
(١٠٤) كان يعلن عن وفاء النيل عندما كان مقياس النيل يبلغ ١٥ ذراعا و ١٦ إصبعا أي ٤٥ ، ٨ م.
(١٠٥) لقد بدلت المشاريع الهيدروليكية الهائلة التي حدثت في عصرنا ، وضع الفيضان ونظمته. ولكن قبل ذلك كان يعلن عن الفيضان عموما في القاهرة في يوم ١٧ حزيران (يونية) عن طريق تبدل لون المياه التي تأخذ بالصعود حوالي يوم ٢١ حزيران (يونية). وفي ٤ تموز (يولية) كان المنادون يظهرون في الشوارع ليعلنوا كل يوم عن ارتفاع الماء وحوالي منتصف آب (أغسطس) كان يعلن عن قدوم وفاء النيل ، الذي كان يوم فتح السدود. ويؤدي فتح القنوات إلى تباطؤ الفيضان الذي يبلغ أقصاه حوالي ٢٦ أيلول (سبتمبر). ثم يبدأ النقصان ، بصورة غير منتظمة نوعا ما ، وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) يكون نهر النيل قد عاد إلى مجراه.
(١٠٦) وبالتالي حوالي الأول من أيلول (سبتمبر) إذا كان خبر المؤلف صحيحا.