تحفظ وحيطة. وبعد مضي ثمانين يوما يحدد المحتسب سعر الأقوات ولا سيما سعر الخبز. ويقع هذا التسعير مرة واحدة في العام ، ذلك لأن الموظفين يعرفون استنادا إلى فيضان النيل ، المناطق التي رويت بشكل طيب ، والتي نالها الماء بإفراط ، والمناطق التي لم تأخذ كفايتها من الماء ، وذلك حسب مستوى أرض الزراعة. وعلى أساس هذه المعطيات تثبت أسعار القمح. وفي بداية أيام الفيضان في البلاد (١٠٧) يقام في القاهرة احتفال كبير جدا. وتقوم حينئذ ضجة من غناء وصراخ وموسيقى حتى لكأن المدينة قد انقلبت رأسا على عقب. وتستأجر كل أسرة مركبا وتزينه وهكذا يصبح كل السكان في المراكب ويلهو كل حسب وسائله. كما يشترك السلطان نفسه مع أمرائه الكبار وضباطه بهذا الاحتفال. ويذهب لقناة تدعى القناة الكبرى ، وهي قناة مسوّرة (١٠٨). وهنا يأخذ فأسا ويضرب الجدار ويقوم كبار شخصيات حاشيته بصنع نفس الشيء إلى أن يتخرب القسم من الجدار الذي كان يمنع وصول الماء. وعندئذ ينهمر ماء النيل حالا في القناة بعنف كبير ومنها يوزع في القنوات الأخرى في الضواحي وفي المدينة المسورة. حتى إن مدينة القاهرة لتشبه مدينة البندقية ، ويمكن التنقل في المركب إلى كل الأماكن المأهولة وإلى كل بلدان مصر. ويستمر الاحتفال سبعة أيام حتى إن كل ما يربحه بائع أو صانع في العام ينفقه في هذا الأسبوع على غذائه وعلى الحلوى والمشاعل والعطور ، وعلى الموسيقيين. وهذا العيد هو نوع من مخلفات قدامى المصريين(١٠٩).
* * *
وفي خارج القاهرة ، تقع قلعة السلطان بجانب ربض باب زويلة ، وقد شيدت على نتوء من جبل المقطم. وهذه القلعة محاطة بأسوار عالية ومتينة ، وهي مطوقة بقصور عجيبة تعجز الكلمات عن وصفها ، ومبلطة بأنواع من الرخام المتعدد الألوان ، ومجموع بعضها إلى بعض بشكل مدهش. وقد كسيت السقوف بالذهب وبأزهى الألوان. والنوافذ مزدانة بزجاج ملوّن ، كالتي يرى منها في بعض أنحاء أوربا. ونجارة الأبواب منقوشة بفن رفيع ومغطاة بالرسوم وبالتذهيبات. وكانت هذه القصور
__________________
(١٠٧) أي يوم وفاء النيل حيث يتم فتح السدود كي ينساب الماء في القنوات ومنها يغمر الأراضي القابلة للزراعة.
(١٠٨) في فم الخليج ، أي فم القناة الكبرى.
(١٠٩) كان فرعون يذهب بنفسه بالفعل لكسر السد .. وعيد الوفاء كان موجودا دائما ، ولكنه رمزي صرف ، وهو نوع من تقليد منذ أن أصبح فيضان النيل نوعا من حياة او موت بالنسبة لشعب مصر.