القبض عليهم وإرسالهم للبيع في القاهرة. ولجأ صلاح الدين الى اخراجهم من الديانة النصرانية ، والى تعليمهم مهنة استعمال السلاح واللغة التركية التي كانت لغتهم الخاصة (١٣٣). وزادت أهمية وعدد هؤلاء الرقيق حتى لقد ظهر فيهم جنود جيدون وضباط ذو وخبرة وموظفون ممتازون لكل المملكة (١٣٤). وبعد وفاة صلاح الدين ظلت الدولة بيد أسرته (١٣٥). في أثناء مدة مائة وخمسين عاما (١٣٦) وحافظ خلفاؤه من بعده على عادة شراء الرقيق.
وعلى أثر سقوط أسرة صلاح الدين ، اختار هؤلاء العبيد أميرا عليهم وسلطانا مملوكا عالى الهمة اسمه بيبرس (١٣٧). وابتداء من تلك الفترة ظلت هذه الطريقة هي الدارجة ، حتى إن السلطان كان لا يستطيع بلوغ تلك المرتبة ما لم يكن مملوكا ، وكان في البداية نصرانيا ، ثم اعتنق الإسلام ، ولم تسبق له معرفة اللغة الشركسية واللغة التركية. وقد أرسل بضعه سلاطين أبناءهم الى قفقاسيا. حيث أمضوا طفولتهم كي يتعلموا هناك اللغة التركية ، لكي ينشأوا على العادات الخشنة كي يصبحوا مؤهلين لكي يصبحوا سلاطين (١٣٨) فيما بعد ، ولكن وسيلتهم هذه ظلت بلا نتيجة لان المماليك لم يقبلوهم مطلقا (١٣٩).
__________________
(١٣٣) الواقع كان صلاح الدين كردي الاصل ، وليس تركيا ، وكانت ثقافته عربية.
(١٣٤) لقد كان التنظيم العسكري والمدني المملوكي موجودا قبل صلاح الدين بكثير ولكن هذا لم يعمل اكثر من إتقانه واستعماله لأقصى حد. والواقع التاريخي المدهش حقا هو قوة هذا التنظيم الذي استمر يقاوم ستة قرون ، وكان ينتج نخبة من الرجال عرفت كيف تحكم بلدا واسعا اوصلت عاصمته لدرجة عالية من الازدهار ، وهي نتيجة باهرة بالنسبة لفرق أجنبية حقيقية تم جمع أفرادها بصورة فريدة غريبة ، وكونت فئة متعملة وممتازة.
(١٣٥) أى الايوبيين.
(١٣٦) توفي صلاح الدين في ليلة ٣ الى ٤ آذار (مارس) ١١٩٣ م / ٢ صفر ٤٨٦ ه وكان توارن شا آخر ملك أيوبي هو الذي اغتيل على يد قائد مملوكي هو بيبرس بتاريخ ٣٠ نيسان (إبريل) ١٢٥٠ م / ٢٦ محرم ٦٤٨ ه ، أي بعد مائة سنة واثنين وستين عاما.
(١٣٧) هذا غير صحيح لأن القائد المملوكي الظاهر ركن الدين بيبرس البند قداري لم يستلم السلطة إلا بعد ان قتل بيده السلطان المملوكي مظفر سيف الدين بتاريخ ٢٢ تشرين الاول (اكتوبر) ١٢٦٠ م.
(١٣٨) «كانت هذه الطريقة معروفة عند الخلفاء الامويين والعباسيين ، فقد كانوا يرسلون أبناءهم للبادية كسبا للفصاحة في اللسان والتعود على شظف العيش والخشونة والاقتراب من الفطرة. ويقول أحد العلماء الجغرافيين الفرنسيين : تولد الشعوب في الريف وتحتضر في المدن. فهل هناك علاقة بين الحضارة والاحتضار؟» (المترجم)
(١٣٩) الواقع كان هناك عدة سلاطين متوارثين ، ولعبت القرابة أحيانا دورا لا يستهان به كما لدى المماليك البحرية.