وهكذا حكم خلفاء القاهرة مدة مائتين وثلاثين عاما (١٣٠). وعند ما مات آخرهم (١٣١) لم يبق سوى خليفة بغداد الذي هو الخليفة الشرعي الحقيقي. وبعد اتلاشي شيعية الخلفاء نشب الخلاف بين سلطان بغداد وصلاح الدين ، الذي أصبح سلطانا في القاهرة ، ذلك لأن سلطان بغداد ، الذي كان ينتسب لأمة آسيوية والذي كان قبل ذلك ملكا على مازنداران وخوارزم ، وهما إقليمان واقعان على نهر الغانج ، كان يعتقد أن القاهرة تتبعه. وأراد شن الحرب على صلاح الدين ولكن منعه من ذلك ظهور التتر الذين نفذوا الى خراسان وقاموا فيها بتخريبات شديدة (١٣٢). وكان صلاح الدين ، من جهته يخشى قدوم النصارى الى بلاد الشام بقصد الثأر من الاهانة التي ألحقا بهم ، كما انقرض جنوده ، فقسم منهم قضى عليه في الحروب ، وآخرون هلكوا بالطاعون ، وقسم ثالث منهم استخدموا في ادارة المملكة وحكمها.
ولهذا السبب أخذ يشتري الرقيق الشراكسة الذين كان من عادة ملك ارمينيا
__________________
ـ الدين أمير حلب ، الذي كان صلاح الدين يعتبر نفسه دوما ، بكل بساطة نائبا له. غير أن العاضد سقط مريضا بشكل خطر. وفي يوم الجمعة السابع من محرم ٦٥٧ ه / ١٠ أيلول (سبتمبر) ١١٧١ نودي بالخطبة ، في الجامع الأزهر ، للخليفة العباسي في بغداد. وكان العاضد يعاني سكرات الموت ووافاه الأجل بعد أيام ثلاثة. وبعد هذه الاحداث قام صلاح الدين بحملاته في بلاد الشام ضد المملكة النصرانية مع العديد من المعارك المظفرة تارة والفاشلة تارة اخرى.
(١٣٠) في يوم الجمعة ٢٠ شعبان ٣٥٨ ه / ٩ تموز (يوليه) ٩٦٩ م ، جعل جوهر الصقلي خطبة الجمعة في جامع الفسطاط الكبير باسم الخليفة الفاطمي المعز. وبذلك تكون الخلافة الفاطمة قد دامت في مصر مدة تقل قليلا عن ٢٠٩ سنة هجرية وليس ٢٣٠ كما يقول المؤلف. والأسرة الفاطمية التي ظهرت بعد المناداة بالمهدي عبيد الله يوم الجمعة ٢١ ربيع الاول ٢٨٧ ه / ٨ كانون الاول (ديسمبر) ٩٠٩ م دامت اجماليا مدة ٢٧٠ سنة عربية.
(١٣١) يقصد الفاطميين.
(١٣٢) لقد كان المؤلف مضللا من ذاكرته او مذكراته ويبدو عرضه عشوائيا. فلا نرى من كان سلطان بغداد هذا الذي احتل مانداران ، وهو إقليم يحاذي ساحل بحر قزوين الجنوبي وخوارزم ، وهي ولاية تقع على المجري الأدنى لنهر آموداريا الحالي ، وهي أكسوس لدى القدامى ، وجيحان عند العرب ، والذي تدخل ضد التتر في خراسان. والواقع لم يستطع خليفة بغداد العباسي ، الذي كان على قدر لا بأس به من السلطة في ذلك العصر ، لم يستطع الا دعم صلاح الدين الذي أعاد له سلطته الدينية في مصر ، وكان السلطان نور الدين زنكي في حلب يطمع حقيقة في السلطة الفعلية على مصر ، ولكن كان صلاح الدين ، طيلة حياته ، يعلن أنه تابعه الأمين. وبعد وفاة نور الدين قام صلاح الدين وتخلص من حلفائه.
«لم يستطع. أبيولار أن يميز بين سلطان بغداد وبين خليفة بغداد ، وهي الازدواجية التي حدثت في اواخر ايام العباسيين إذ كان السلاطين من الآسيويين من أتراك كالسلاجقة وفرس كالبويهيين ، كما أن مازنداران وخوارزم لا يقعان على نهر الغانج الهندي» (المترجم).