الحلقات. وجلد هذا الحيوان على قساوة لا تسمح لراشقة سهام قوية باختراقه. وهناك بعض التماسيح التي لا تأكل شيئا آخر سوى السمك ، ويأكل البعض الآخر الحيوانات الارضية والبشر. وتظل هذه التماسيح ، الشديدة المكر ، مختبئة قرب ضفاف النهر التي يتردد عليها الناس والحيوانات العديدة. وما ان ترى هذه التماسيح أحدا حتى تقذف فجأة بذيلها خارج الماء ، وتحيط بالرجل أو بالحيوان وتجره نحو الماء وتفترسه.
وعندما تأكل يتحرك فكها الأعلى فقط لأن الفك الاسفل ملتحم بعضم الصدر. ولكن ليست كل التماسيح من هذا الصنف ، إذ لو كان ذلك لما استطاع انسان ان يسكن على ضفاف النيجر او النيل.
وقد ابحرت مرة على متن مركب كان يذهب من القاهرة الى قنا ، وهي مدينة في مصر العليا ، تقع على مسافة اربعمائة ميل من القاهرة (٨٣) وبينما كنا في وسط الرحلة (٨٤) ، في ليلة كان القمر فيها شبه محجوب خلف الغمام ، صرنا نسير في ريح طيبة ، وكنا نياما جميعا تقريبا ما بين بحارة وركاب. أما بالنسبة لي فقد عدت إلى حجرتي وكنت اشتغل فيها على بصيص شمعة ، عندما ناداني رجل هرم طيب كان يسهر ويبتهل الى الله. وقال لي : «يا فلان ، ايقظ احدا من جماعتنا كي يساعدني في التقاط قطعة خشب كبيرة ستكون نافعة لنا في الغد من أجل طهو الطعام» فأجبته : «هل تريد ان احضر بنفسي؟ فهذا خير من ايقاظ احد في مثل هذه الساعة». وكان الوقت منتصف الليل تقريبا. وعندها قال لي الكهل : «سأريك انني استطيع التقاطها لوحدي». وعندما اصبح المركب حسب تقديره ، على مقربة من قطعة الخشب ، مد يده لتمرير عقدة انشوطة من هذه الخشبة المزعومة ، وفي هذه الفترة انبثق من الماء ذيل طويل طوّق خصره ورماه على الحال في النهر. وأخذت بالصراخ وقفز كل أهل المركب واقفين على اقدامهم. وطوى الشراع والقى المركب مراسيه. وقفز عدة أشخاص إلى الماء وبقينا حوالي الساعة الكاملة راسين بجوار الشط. ولكن كان كل ذلك عبثا ، اذ لم يعثر على أثر للرجل الهرم واقتنع الجميع بأن التمساح قد افترسه ومع متابعتنا طريقنا المائي رأينا طوائف منها تضم عشرة الى اثنى عشر فوق جزيرات النيل : وكانت تبقى في
__________________
(٨٣) قنا على مسافة ٤١٧ ميلا عن القاهرة بالطريق المائية.
(٨٤) أي في انحاء منفلوط وقرب كهف التماسيح المحنّطة المشهور.