تأكل حينئذ العشب الأخضر (١٣٨)
وتجري حياة هؤلاء البدو في الصيد أو في سرقة إبل أعدائهم. ولا يتوقفون في أي مكان أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام ، أي في أثناء الوقت الكافي لكي ترعى إبلهم العشب الذي تجده هناك.
ومع أننا ذكرنا أن هؤلاء لا يخضعون لنظام ولا قانون ، فإن لكل من هذه الأقوام أميرها ، وهو ملك يدينون له بالطاعة المطلقة ويؤدون له واجب الاحترام (١٣٩).
وهؤلاء أناس جهلة تماما لا يعرفون شيئا ، فهم لا يجهلون الآداب فحسب ، بل يجهلون كذلك الفنون وسائر المعارف الأخرى. ومن الصعوبة بمكان أن يعثر الإنسان في العشيرة كلها على حاكم يكون مؤهلا للفصل في نزاع ، حتى إن أحدهم لو تورط في دعوى أو كان ضحية أذى ما فإنه يكون مضطرا أن يمضي ستة أيام على الطريق فوق جمله كي يصل إلى خيمة القاضي. ويتأتى هذا الجهل عن أن هؤلاء الرجال لا يخصصون أي وقت للدراسات ولا يحبون الخروج من صحاريهم كي يتثقفوا. ولا يأتي القضاة إلا مكرهين عند هؤلاء الأوشاب ، وهم لا يستطيعون تحمل عاداتهم ونمط حياتهم. أما أولئك الذين يأتون إليهم راغبين فيتقاضون أجرا عاليا جدا ، إذ ينال كل واحد منهم ألفي دينار (١٤٠) فى العام أو أكثر أو أقل حسب تفاوت كفاءته.
ويلبس أشراف هؤلاء الرعاع فوق رؤوسهم ، كما قلت ، لثاما أسود يغطون وجوههم كلها بقسم منه حتى لا تظهر من خلاله سوى عيونهم ، ويحافظون على هذا الوضع حتى عندما يريدون تناول طعامهم. ففي كل مرة يتناولون فيها لقمة يكشفون عن فمهم ثم يسترونه في الحال. ويقدمون لتبرير هذه العادة الزعم التالي : كما أن من العيب بالنسبة للرجل أن يرى وهو يطرد غذاءه بعد هضمه ، وكذلك من المعيب أن يرى
__________________
(١٣٨) هذا صحيح تماما ، ويلاحظ في الشتاء عندما ترعى الإبل أعشابا غضة جدا تنمو في هذا الفصل كالجرجير واسمه اللاتيني :
Schouwia purpureaesp. Schimper
(H.L.).
(١٣٩) ويدعى آمينوكال عند الطوارق.
(١٤٠) أودوكا ، وإذا كان المؤلف يمثل الدوكا الإيطالي بالدنيار أو المثقال العربي ، فإن الدوكا الذهبي ، أوزكشيتو على الأصح والذي سكه البابا كليمنت الرابع في العصر الذي كتب فيه الحسن كتابه يعادل ٥ ، ٣ غرامات من الذهب (أي أن الدوكا الذهبي كان يعادل إذن حوالي ٧٥ ريالا سعوديا ، أو أقل من مائة ليرة سورية بقليل). (المترجم).