متن الهجن ، وبعد أن استلم منا العوائد دعا كل القافلة لمرافقته حتى خيامه والبقاء فيها مدة ثلاثة أيام كي تستريح. ولما كان مخيمه على مسافة ثمانين ميلا (١٤٦) خارج طريقنا ، ولما كانت جمالنا مثقلة بالأحمال ، لم يرغب التجار في قبول دعوته كيلا يطيلوا الطريق ، ولكن نظرا لإصرار الأمير على استضافتنا فقد تقرر أن يتابع الجمالة سفرهم مع حيواناتهم وأن يذهب التجار معه. وما إن بلغنا المخيم حتى أمر هذا الرجل الكريم بنحر بضعة جمال ، بين كبير وصغير ، ونفس العدد من الخراف وبعض طير النعام التي اقتنصها في أثناء الطريق. وذكر التجار للأمير بأنه لا داعي لذبح جمال ، إذ ليس من عادتهم أن يأكلوا غير لحم الخراف. فأجابهم بأن عادتهم لا ترى من المناسب الاكتفاء بذبح صغار الماشية في وليمة ، ولا سيما بالنسبة لنا باعتبارنا غرباء ، فضلا عن أننا نزلنا في مخيمه. وهكذا أكلنا ما قدم لنا. ولكن الطعام الرئيسي في هذه الوليمة كان يتألف من لحوم مشوية ومسلوقة. وكان اللحم المقدم على المائدة يتألف من شرائح متبلة بالأعشاب وبكمية طيبة من توابل بلاد السودان. وكان الخبز مصنوعا من دقيق غاية في النعومة من الذرة البيضاء والدخن. وفي نهاية الطعام قدمت لنا التمور بكثرة مع آنية كبيرة مليئة بالحليب. ورغب الأمير كثيرا في أن يشرف الوليمة بحضوره مع طائفة من سراة القوم من حاشيته وبعض أقاربه ، ولكنهم أكلوا على حدة. واستقدم بعض الفقهاء والأدباء الذين كانوا هناك وأجلسهم بجواره. ولم يمس أي نوميدي الخبز في أثناء الطعام ، إذ لم يتناولوا سوى اللحم والحليب.
وعند ما لاحظ الأمير علينا الدهشة والاستغراب الشديد ، راح يشرح لنا ذلك بكل ملاطفة قائلا : «إنه ولد في هذه الصحاري حيث لا ينبت أي نوع من الحبوب ، وأن الناس كانوا يتغذون بما تنتجه أرضهم. وقال لنا إنه يمتار كل سنة كمية من الحبوب كي يكرم الغرباء الذين يمرون ببلاده. غير أنه من الصحيح القول إن من عادتهم أكل الخبز في أيام بعض الأعياد الكبرى كعيد الفطر وعيد الأضحى (١٤٧).
وبعد أن أمسك بنا الأمير لمدة يومين في مخيمه وأحاطنا دوما بالكثير من الرعاية وعاملنا بإكرام وحفاوة ، سمح لنا بالذهاب في اليوم الثالث. وأراد أن يرافقنا شخصيا حتى القافلة. وسأقول لكم إن الحقيقة هي أن ثمن الحيوانات التي نحرها لإطعامنا كان
__________________
(١٤٦) أو ١٢٨ كم.
(١٤٧) ويدعي عيد تاباسكى في عدة بلاد سودانية أي جنوب الصحراء الكبرى.