فاقاموا في الصحاري المجاورة لواحات النخيل ، في حين سكن النوميديون الصحاري المجاورة لبلاد السودان. (١٥١)
أما العرب الذين يسكنون أفريقيا بين جبال الأطلس والبحر المتوسط (١٥٢) فهم أفضل حالا وأكثر غنى من العرب السابقين وخاصة فيما يتعلق بكسائهم ، وبتجهيز خيولهم ، وبرونق خيامهم واتساعها. ولديهم أيضا خيول أكثر جمالا بكثير من خيول سكان الصحراء ، ولكن ليس لها نفس السرعة في العدو. ويحرث هؤلاء العرب أراضيهم ويستمدون منها الكثير من الحب ، ولديهم عدد لا يحصى من الأغنام والأبقار. وهذا هو السبب الذي يجعلهم يعجزون عن الاستقرار في بقعة واحدة ، إذ ليس هناك ما يكفي من الأرض لرعي مثل هذا العدد من الماشية ، غير أنهم مع هذا كرماء. ويخضع بعضهم ، أي أولئك الذين يسكنون مملكة فاس ، للملك ويدفعون له الضريبة. وظل عرب بوادي مراكش وعرب دكّالة بعض الوقت معفين من أي تكليف ، إلى أن احتل البرتغاليون اسفي وآزمور (١٥٣). وعندئذ انقسموا إلى أحزاب ووقعت فتن داخلية ، قام على أثرها ملك فاس (١٥٤) بإفناء أحد الأحزاب في حين قام ملك البرتغال (١٥٥) بتدمير الفريق الآخر. وفضلا عن ذلك فإن المجاعة التي سادت في السنوات الأخيرة في أفريقيا قد أرهقتهم كل الارهاق حتى أصبح هؤلاء الفقراء يهاجرون بمحض إرادتهم إلى البرتغال ويبيعون أنفسهم بيع الرقيق لمن يقدم لهم الطعام. وهكذا لم يبق أي واحد منهم في دكّالة (١٥٦).
__________________
(١٥١) إن تقهقر هؤلاء الصحراويين الملثمين ببطه هو واقع تاريخي : إذ يظن أن بعض القبائل كانت تستوطن شمالي الصحراء الكبرى في القرنين الثاني والثالث الميلادي ، ولكنها تزحزحت عن موطنها بضغط من زنانة البدوية ، وبعد الزحف الهلالي تقهقروا مرة أخرى بسبب التقدم العربي. غير أن هذا التراجع كان مختلفا باختلاف المناطق ، وكان واضحا في الصحراء الكبرى الغربية أكثر من الصحراء الكبرى الوسطى. ويبدو اليوم وذلك على ضوء الرسوم التي عثر عليها في الكهوف ، أن الناطقين بالبربرية بلغوا مالي وضفاف نهر النيجر قبل بضعة قرون من الميلاد. أما نفوذهم إلى غرب الصحراء الكبرى فقد كان متأخرا عن ذلك نسبيا.
(١٥٢) أي كل بلاد البربر أو برباريا بالفرنسية.
(١٥٣) لقد كان احتلال آسفي التي كانت تحت الحماية البرتغالية منذ السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر احتلالا حقيقيا في عام ١٥٠٨ م ، ووقع احتلال أزمور بتاريخ سيتمبر ١٥١٨ م.
(١٥٤) هو أبو عبد الله محمد البرتغالي.
(١٥٥) الملك عما نويل الأول.
(١٥٦) أثبتت وثائق المحفوظات البرتغالية أن الوضع الاقتصادي لم يكن كارثيا إلى هذا الحد في هذا الاقليم ، وكانت الهجرة محدودة بالتأكيد لأن القبائل العربية في ذلك العصر كانت كلها تقريبا في نفس مواقعها في أيامنا الحالية.