ومبنى الخلاف (١) هو الاختلاف في تفسير أصل النية المعتبرة ، هل هي الصورة المخطرة بالبال ، أم نفس الداعي إلى الفعل وإن لم يكن بالبال مخطراً في الحال ؟ (٢) .
فعلى الأول لا يمكن اعتبار الاستدامة الفعلية بناءً على تعذّرها أو تعسّرها ، إذ ( مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) (٣) . واعتبار الحكمية حينئذٍ بالمعنى المتقدّم بناءً على أنّ « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (٤) وذلك لاعتبارها بالمعنى المزبور في أصل النيّة كاعتبار الجزء في الكل ، وسقوط الكل بالأمرين لا يستلزم سقوط جزئه ، لما عرفت . فتأمّل .
وعلى الثاني ممكن اعتبارها فيجب .
وحيث إنّ المستفاد من الأدلّة ليس إلّا الثاني ؛ بناءً على دلالتها على اعتبار النيّة في أصل العمل ومجموعه ، وهو ظاهر في وجوب بقائها بنفسها إلى منتهاه ، وهو في المخطر كما عرفت غير ممكن ، وليس بعد ذلك إلّا الداعي ؛ فتجب إرادته منها ، ولا صارف يوجب المصير إلى الأوّل .
هذا مع أنّ معناها لغةً وعرفاً ليس إلّا ذلك ، ولذا العامل عملاً لم يخطر القصد بباله حينه لا يكون في العرف عاملاً بغير نيّة ، بل لا ريب في تلبس عمله بها عند أهله ، وليست العبادات فيها (٥) إلّا مثل غيرها ، وإنما الفارق بينهما اعتبار الخلوص والقربة في الأوّل دون الثاني .
فالمكلّف به المشترط في صحّة العبادات ليس إلّا الخصوصيّة وهي
____________________
(١) أي اعتبار استدامة الفعلية أو الاكتفاء بالحكمية . منه رحمه الله .
(٢) أي حال الإِتيان بالفعل . منه رحمه الله .
(٣) الأحزاب : ٤ .
(٤) عوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٧ .
(٥) أي في النية . منه رحمه الله .