وأجاب ابن الخطيب (١) عن السّؤال بأن قوله : (ما وَعَدَنا رَبُّنا) يدلّ على أنّه تعالى خاطبهم بهذا الوعد وكونهم مخاطبين من قبل الله ـ تعالى ـ بهذا الوعد يوجب مزيد التّشريف ومزيد التشريف لائق بحال المؤمنين.
أمّا الكافر فليس أهلا لأن يخاطبه الله ـ تعالى ـ فلهذا السّبب لم يذكر الله تعالى أنّه خاطبهم بهذا الخطاب بل ذكر الله ـ تعالى ـ أنّه بيّن هذا الحكم.
و «نعم» حرف جواب ك «أجل» و «إي» و «جير» و «بلى» ، ونقيضتها «لا».
و «نعم» تكون لتصديق الإخبار ، أو إعلام استخبار ، أو وعد طالب ، وقد يجاب بها النّفي المقرون باستفهام وهو قليل جدّا كقول جحدر : [الوافر]
٢٤٦٩ ـ أليس اللّيل يجمع أمّ عمرو |
|
وإيّانا فذاك بنا تداني |
نعم ، وترى الهلال كما أراه |
|
ويعلوها النّهار كما علاني (٢) |
فأجاب قوله : «أليس» ب «نعم» ، وكان من حقه أن يقول : بلى ، ولذلك يروى عن ابن عباس في قوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] : لو قالوا : نعم لكفروا ، وفيه بحث يأتي إن شاء الله ـ تعالى ـ قريبا.
وقرأ الكسائيّ (٣) والأعمش ويحيى بن وثّاب بكسر عينها ، وهي لغة «كنانة» ، وطعن أبو حاتم عليها وقال : «ليس الكسر بمعروف».
واحتج الكسائيّ لقراءته بما يحكى عن عمر بن الخطاب أنّه سأل قوما فقالوا : نعم بالفتح ، فقال : «أمّا النّعم فالإبل فقولوا : نعم» أي بالكسر.
قال أبو عبيد : «ولم نر العرب يعرفون ما رووه عن عمر ونراه مولّدا».
قال شهاب الدين : وهذا طعن في المتواتر فلا يقبل ، وتبدل عينها حاء ، وهي لغة فاشية ، كما تبدل حاء «حتى» عينا.
قوله : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ).
التأذين في اللّغة النداء والتّصويت بالإعلام ، والأذان للصّلاة إعلام بها وبوقتها.
وقالوا في «أذّن مؤذّن» : نادى مناد أسمع الفريقين.
قال ابن عباس : «وذلك المؤذن من الملائكة وهو صاحب الصّور» (٤).
قوله : «بينهم» يجوز أن يكون منصوبا ب «أذّن» أو ب «مؤذن» فعلى الأول التقدير :
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٦٩.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : السبعة ٢٨١ ، والحجة ٤ / ١٩ ، وحجة القراءات ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، وإعراب القراءات ١ / ١٨١ ، والعنوان ٩٥ ، وشرح شعلة ٣٨٩ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٩٥ ، وإتحاف ٢ / ٤٩.
وينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٠٣ ، والبحر المحيط ٤ / ٣٠٣ ، والدر المصون ٣ / ٢٧٣.
(٤) ذكره الرازي في تفسيره (١٤ / ٧٠).