ما كان كذلك فهو محدث فثبت أنّه تعالى لو كان على العرش ؛ لكان من الجانب الذي يلي العرش متناهيا ولو كان كذلك لكان محدثا وهذا محال فكونه على العرش يجب أن يكون محالا (١).
وثانيها : لو كان في مكان وجهة ، لكان إمّا أن يكون غير متناه من كلّ الجهات ، وإمّا أن يكون متناهيا من كلّ الجهات ، وإمّا أن يكون متناهيا عن بعض الجهات دون البعض ، والكلّ باطل فالقول بكونه في المكان والحيّز باطل قطعا.
بيان الأول : أنّه يلزم أن تكون ذاته مخالطة لجميع الأجسام السّفليّة والعلويّة ، وأن تكون مخالطة للقاذورات والنّجاسات وتكون الأرضون أيضا حالة في ذاته.
وإذا ثبت هذا فنقول الذي هو محل السّموات ، إمّا أن يكون هو عين الشّيء الذي هو محلّ الأرضين ، أو غيره فإن كان الأوّل ؛ لزم كون السّموات ، والأرضين حالتين في محلّ واحد من غير امتياز بين محليهما أصلا ، وكلّ حالين حلا في محلّ واحد لم يكن أحدهما ممتازا عن الآخر فلزم أن يقال السماوات لا تمتاز عن الأرضين في الذّات ، وذلك باطل فإن كان الثّاني لزم أن تكون ذات الله تعالى مركّبة من الأجزاء والأبعاض وهو محال (٢).
والثالث : وهو أنّ ذات الله تعالى إذا كانت حاصلة في جميع الأحياز والجهات فإمّا أن يقال الشّيء الذي حصل فوق هو عين الشّيء الذي حصل تحت فحينئذ تكون الذّات الواحدة قد حصلت دفعة واحدة [في أحياز كثيرة وإن عقل ذلك فلم لا يعقل أيضا حصول الجسم الواحد في أحياز كثيرة دفعة واحدة؟](٣) وهو محال في بديهة العقل ، وأمّا إن قيل إنّ الشّيء الذي حصل فوق غير الشيء الذي حصل تحت ، فحينئذ يلزم حصول التركيب والتّبعيض في ذات الله تعالى وهو محال.
وأما القسم الثّاني ، وهو أن يقال إنّه متناه من كلّ الجهات فنقول : كل ما كان كذلك فهو قابل للزيادة والنّقصان في بديهة العقل ، وكلّما كان كذلك كان اختصاصه بالمقدار المعيّن لأجل تخصيص مخصّص وكلّ ما كان كذلك فهو محدث ، وأيضا فإن جاز أن يكون الشّيء المحدود من كلّ الجوانب قديما أزليا فاعلا للعالم فلم لا يعقل أن يقال : خالق العالم هو الشّمس ، أو القمر ، أو كوكب آخر وذلك باطل بالاتّفاق (٤).
وأما القسم الثالث ، وهو أن يقال بأنّه متناه من بعض الجوانب ، وغير متناه من سائر الجوانب فهذا أيضا باطل من وجوه (٥) :
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٨٣.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٨٣ ـ ٨٤.
(٣) سقط من أ.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٨٤.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٨٤.