عند ذلك الدّعاء صار مريدا له لزم وقوع التّغير في ذات الله ، وفي صفاته ، وهو محال ، وعلى هذا التقدير بصير إقدام العبد على الدّعاء علّة لحدوث صفة في ذات الله ـ تعالى ـ فيكون العبد متصرّفا في صفة الله ـ تعالى ـ بالتّبديل والتّغيير ، وهو محال.
الثالث : أنّ المطلوب بالدّعاء إن اقتضت الحكمة والمصلحة إعطاءه ، فهو تعالى يعطيه من غير هذا الدّعاء ؛ لأنّه منزّه عن أن يكون بخيلا ، وإن اقتضت الحكمة منعه فهو لا يعطيه سواء أقدم العبد على الدّعاء ، أو لم يقدّم عليه.
الرابع : أنّ الدّعاء غير الأمر ، ولا تفاوت بين البابين إلا كون الدّاعي أقلّ رتبة ، وكون الآمر أعلى رتبة ، وإقدام العبد على أمر الله سوء أدب وإنه لا يجوز.
الخامس : الدّعاء يشبه ما إذا أقدم العبد على إرشاد ربّه وإلهه إلى فعل الأصلح والأصوب ، وذلك سوء أدب ، أو أنّه ينبه الإله على شيء ما كان منتبها له ، وذلك كفر ، وأنّ الله تعالى قصّر في الإحسان والفضل ، وذلك جهل.
السادس : أنّ الإقدام على الدّعاء يدلّ على كون العبد غير راض بالقضاء ، إذ لو رضي بما قضاه الله عليه لترك تصرّف نفسه ، ولما طلب من الله شيئا على التّعيين ، وترك الرّضا بالقضاء من المنكرات.
السابع : روي أنّه عليه الصّلاة والسّلام قال حاكيا عن الله ـ تعالى ـ «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين» (١) وذلك يدلّ على أنّ الأولى ترك الدّعاء.
الثامن : أنّ علم الله ـ تعالى ـ محيط بحاجة العبد ، والعبد إذا علم أن مولاه عالم باحتياجه فسكت ولم يذكر تلك الحاجة ، كان ذلك أدخل في الأدب ، وفي تعظيم المولى ، ممّا إذا أخذ يشرح كيفيّة تلك الحاجة ، وإذا كان الحال على هذا الوجه في الشاهد ؛ وجب اعتبار مثله في حقّ الله ـ تعالى ـ ، وكذلك نقل أن الخليل ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لمّا وضع في المنجنيق للرّمي إلى النّار قال له جبريل ـ عليهالسلام ـ : «ادع ربّك» ، فقال الخليل ـ عليهالسلام ـ : «حسبي من سؤالي علمه بحالي».
والجواب : أنّ الدّعاء نوع من أنواع العبادة ، والأسئلة المذكورة واردة في جميع أنواع العبادات ، فإنّه يقال : إن كان هذا الإنسان سعيدا في علم الله فلا حاجة إلى الطّاعات والعبادات ، وإن كان شقيّا في علمه ؛ فلا فائدة في تلك العبادات ، ويجب أيضا ألّا يقدم
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٢ / ١٥٢) والدارمي (٢ / ٤٤١) وابن نصر في «قيام الليل» ص (٧١) والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص (٢٣٨) من طريق محمد بن الحسن الهمداني عن عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ... فذكره قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.
وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (٢ / ٨٢) عن أبيه : هذا حديث منكر ومحمد بن الحسن ليس بالقوي.
وذكره الحافظ في «الفتح» (٩ / ٥٤) وضعفه.