عطف ؛ لأن واو الحال [هي] واو العطف استعيرت للوصل ، فقولك : «جاء زيد راجلا أو هو فارس» كلام فصيح وارد على حدّه ، وأمّا «جاءني زيد هو فارس» فخبيث.
قال أبو حيّان : أما [بعض النّحويين الذي أبهمه] الزمخشريّ فهو الفرّاء ، وأما قول الزّجّاج : كلا التمثيلين لم يحتج فيه إلى الواو ؛ لأن الذّكر قد عاد على الأوّل ففيه إبهام وتعيينه أنّه يمتنع دخولها في المثال الأوّل [ويجوز في المثال] الثاني ؛ فليس انتفاء الاحتياج على حدّ سواء ؛ لأنّه في الأوّل لامتناع الدّخول ، وفي الثاني لكثرته لا لامتناعه.
قال شهاب الدّين (١) : أمّا امتناعها في المثال الأوّل ؛ فلأن النّحويين نصّوا على أنّ الجملة الحاليّة إذا دخل عليها حرف عطف امتنع دخول واو الحال عليها ، والعلّة فيه المشابهة اللّفظيّة ؛ ولأن واو الحال في الأصل عاطفة ، ثم قال أبو حيّان (٢) : وأمّا قول الزمخشريّ فالصّحيح إلى آخره ، فتعليله ليس بصحيح ؛ لأنّ واو الحال ليست بحرف عطف فيلزم من ذكرها اجتماع حرفي عطف ؛ لأنّها لو كانت حرف عطف للزم أن يكون ما قبلها حالا ، حتى يعطف حالا على حال ، فمجيئها فيما لا يمكن أن يكون حالا دليل على أنّها ليست واو عطف ، ولا لحظ فيها معنى واو عطف تقول : «جاء زيد ، والشمس طالعة» فجاء زيد ليس بحال فيعطف عليها جملة حال ، وإنّما هذه الواو مغايرة لواو العطف بكل حال ، وهي قسم من أقسام الواو كما تأتي للقسم ، وليست فيه للعطف كما إذا قلت : «والله ليخرجنّ».
قال شهاب الدّين (٣) : أبو القاسم لم يدّع في واو الحال أنّها عاطفة ، بل يدّعي أنّ أصلها العطف ، ويدلّ على ذلك قوله : استعيرت للوصل ، فلو كانت عاطفة على حالها لما قال : استعيرت فدلّ قوله ذلك على أنّها خرجت عن العطف ، واستعملت لمعنى آخر لكنها أعطيت حكم أصلها في امتناع مجامعتها لعاطف آخر.
وأمّا تسميتها حرف عطف ، فباعتبار أصلها ونظير ذلك أيضا واو «مع» فإنّهم نصّوا على أنّ أصلها واو عطف ، ثمّ استعملت في المعيّة ، فكذلك واو الحال ، لامتناع أن يكون أصلها واو العطف.
ثم قال أبو حيّان (٤) : «وأمّا قوله «فخبيث» فليس بخبيث ؛ وذلك أنّه بناه على أنّ الجملة الحاليّة إذا كانت اسميّة ، وفيها ضمير ذي الحال فحذف الواو منها [شاذّ] وتبع في ذلك الفرّاء ، وليس بشاذّ بل هو كثير في النّظم والنّثر.
قال شهاب الدّين (٥) : قد سبق أبا القاسم في تسمية هذه الواو حرف عطف الفرّاء (٦) ، وأبو بكر بن الأنباريّ.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣٤.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٦٩.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣٤.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٦٩.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣٤.
(٦) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٣٧٢.