الإنسان بالزّنا واللّواط والقذف ، وإفساد العقول بشرب المنكرات ، فهذا النّهي يقتضي منع إدخال ماهيّة الفساد في الوجود بجميع أنواعه وأصنافه.
وقوله : «بعد إصلاحها» يحتمل أن يكون المراد بعد أن صح خلقها على الوجه المطابق لمنافع الخلق ، ويحتمل أن يكون المراد بعد إصلاح الأرض ببعثة الرّسل ، وإنزال الكتب ، وتفصيل الشّرائع.
قوله : (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً).
هذان حالان ، أي : ادعوه ذوو خوف وطمع ، أو خائفين طامعين ، أو مفعولان من أجلهما ، أي : لأجل الخوف والطّمع.
فإن قيل : قد قال في الآية الأولى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ) ، ثم قال هاهنا : «وادعوه» ، وهذا يقتضي عطف الشّيء على نفسه ، وهو باطل.
والجواب : أنّ الّذين فسروا قوله : (ادْعُوا رَبَّكُمْ) بأنّ المراد به العبادة ، قالوا : المراد بهذا الدّعاء الثّاني هو الدّعاء نفسه.
وأمّا الذين قالوا : المراد بقوله : (ادْعُوا رَبَّكُمْ) هو الدّعاء قالوا : المراد بهذا الدّعاء أن يكون الدّعاء المأمور به أوّلا مقرونا بالتّضرّع ، والأخفاء ، ثم بيّن هاهنا أنّ فائدة الدّعاء أحد هذين الأمرين.
فالأولى في بيان شرط صحّة الدّعاء.
والثانية في بيان فائدة الدّعاء ومنفعته.
قوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ) إنّما لم يؤنّثها وإن كانت خبرا لمؤنث لوجوه :
منها أنّها في معنى الغفران والعفو والإنعام ، فحملت عليه ، قاله النّضر بن شميل واختاره الزّجّاج (١).
قال سعيد بن جبير : الرّحمة هاهنا الثّواب فرجع النعت إلى المعنى دون اللفظ كقوله : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) [النساء : ٨] ولم يقل: «منها» ؛ لأنّه أراد الميراث والمال.
ومنها أنها صفة لموصوف مذكّر حذف ، وبقيت صفته ، والتّقدير : إنّ رحمة الله شيء قريب.
ومنها : أنها في معنى العفو أو المطر ، أو الرحم.
ومنها : أنّها على النّسب كحائض ولابن وتامر ، أي : ذات حيض.
ومنها : تشبيه فعيل بمعنى فاعل بفعيل بمعنى مفعول ، فيستوي فيه المذكّر والمؤنّث
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٢ / ٣٨٠.