السّماء كيف يشاء ، ثم يفتح أبواب السّماء فيسيل الماء على السّحاب ، ثم يمطر السّحاب بعد ذلك ، ورحمته هو المطر (١).
وإذا عرف ذلك فنقول : اختلاف الرّياح في الصّفات المذكورة مع أنّ طبعها واحد ، وتأثيرات الطّبائع والأنجم والأفلاك واحدة ، يدلّ على أنّ هذه الأحوال لم تحصل إلا بتدبير الفاعل المختار.
قوله : «كذلك» نعت مصدر محذوف ، أي : يخرج الموتى إخراجا كإخراجنا هذه الثّمرات ، وفي هذا التّشبيه قولان :
الأول : أنّ المعنى كما خلق الله ـ تعالى ـ النّبات بالأمطار ، فكذلك يحيي الموتى بمطر ينزله على الأجساد الرّميمة.
قال أبو هريرة وابن عباس : إذا مات النّاس كلّهم في النّفخة ، أرسل الله عليهم مطرا كمنيّ الرّجال من ماء تحت العرش يدعى ماء الحيوان ، ينبتون في قبورهم نبات الزّرع ، حتى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيه الرّوح ، ثم يلقى عليهم نومة فينامون في قبورهم ، ثم يحشرون بالنّفخة الثّانية ، وهم يجدون طعم النّوم في رءوسهم وأعينهم ، فعند ذلك يقولون : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)(٢) [يس : ٥٢].
الثاني : أن [هذا] التّشبيه إنّما وقع بأصل الإحياء ، والمعنى : أنّه تعالى أحيى هذا البلد بعد خرابه ، فأنبت فيه الشّجر فكذلك يحيي الموتى بعد أن كانوا أمواتا ؛ لأنّ من قدر على إحداث الجسم ، وخلق الرّطوبة والطعم فيه ، يكون قادرا على إحداث الحياة في بدن الميّت.
قال ابن الخطيب (٣) : واعلم أنّ الذّاهبين إلى القول الأوّل إن اعتقدوا أنّه لا يمكن بعث الأجساد ، إلا بأن يمطر على تلك الأجساد البالية مطرا على صفة المني فقد بعدوا ؛ لأنّ القادر على أن يحدث في ماء المطر صفة ، تصير باعتبارها منيّا ، لم لا يقدر على خلق الحياة في الجسم؟ وأيضا فهب أن ذلك المطر ينزل ، إلا أنّ أجزاء الأموات متفرقة ، فبعضها بالمشرق وبعضها بالمغرب ، فمن أين ينفع ذلك المطر في توليد تلك الأجسام؟
فإن قالوا : إنّه تعالى بقدرته وحكمته يجمع تلك الأجزاء المتفرّقة ، فلم لم يقولوا : إنّه بقدرته وحكمته يخلق الحياة في تلك الأجزاء المتفرقة ابتداء من غير واسطة ذلك المطر ؛ وإن اعتقدوا أنه تعالى قادر على إحياء الأموات ابتداء ، إلا أنه تعالى إنّما يحييهم على هذا الوجه ، كما أنّه قادر على خلق الأشخاص في الدّنيا ابتداء إلا أنّه أجرى عادته بأنّه لا يخلقهم إلّا من أبوين ، فهذا جائز.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥١٨) عن السدي.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥١٨) عن أبي هريرة.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١١٦ ـ ١١٧.