وثانيها : أنّ بسبب حركات الرّياح الشّديدة يمنة ويسرة يمتنع على تلك الأجزاء المائيّة النّزول ، فلا جرم يبقى معلّقا في الهواء.
وثالثها : أن بسبب حركات تلك الرّياح ينساق من موضع إلى موضع آخر يكون محتاجا في علم الله ـ تعالى ـ إلى نزول الأمطار.
ورابعها : أنّ حركات الرّياح تارة تكون جامعة لأجزاء السّحاب ، وتارة مفرقة لأجزاء السّحاب.
وخامسها : أنّ هذه الرّياح تارة تكون مقوّية للزّروع والأشجار مكملة لما فيها من النشوء والنّماء ، وهي الرّياح اللّواقح ، وتارة تكون مبطلة لها ، كما تكون في الخريف.
وسادسها : أنّ هذه الرّياح تارة تكون طيّبة موافقة للأبدان ، وتارة تكون مهلكة : إمّا بسبب ما فيها من الحرّ الشّديد كما في السّموم ، أو بما فيها من البرد الشّديد ، كما في الرّياح الباردة والمهلكة.
وسابعها : أنّ هذه الرّياح تكون [تارة] شرقيّة ، وتارة غربيّة ، وشماليّة ، وجنوبيّة ، كذا ضبطه بعض النّاس ، وإلا فالرّياح تهبّ من كلّ جانب من جوانب العالم ، ولا اختصاص لها بجانب من جوانب العالم.
وثامنها : أنّ هذه الرّياح تصعد من قعر البحر ، فإنّ من ركب البحر يشاهد أن البحر يحصل له غليان شديد بسبب تولّد الرّياح في قعر البحر ، ثمّ لا يزال يتزايد الغليان ويقوى إلى أن تنفصل تلك الرّياح من قعر البحر إلى ما فوق البحر ، وحينئذ يعظم هبوب الرّياح في وجه البحر ، وتارة ينزل الرّيح من جهة فوق فاختلاف الرّياح بسبب هذه المعاني عجيب (١).
وعن ابن عمر الرّياح ثمان : أربع عذاب وهي القاصف ، والعاصف والصّرصر ، والعقيم ، وأربع منها رحمة وهي : النّاشرات ، والمبشّرات ، والمرسلات ، والذّاريات (٢).
وقال عليه الصّلاة والسّلام : «نصرت بالصّبا ، وأهلك عاد بالدّبّور» (٣) و «الجنوب من ريح الجنّة» (٤).
وعن كعب : لو حبس الله الرّيح عن عباده ثلاثة أيّام لأنتن أكثر أهل الأرض.
وعن السّدّيّ أنّه تعالى يرسل الرّياح ، فتأتي بالسّحاب ، ثم إنّه تعالى يبسطه في
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١١٥.
(٢) ذكره البغوي في «شرح السنة» (٢ / ٦٤٧) عن عبد الله بن عمرو.
(٣) أخرجه البخاري ٢ / ٥٢٠ في كتاب الاستسقاء : باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم نصرت بالصبا (١٠٣٥) وأخرجه مسلم ٢ / ٦١٧ في كتاب الاستسقاء : باب في ريح الصبا.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١١٥.