[الأول] : أن في قصّة نوح : «فقال يا قوم» بالفاء ، وهنا قال بغير فاء ، فالفرق أنّ نوحا ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ كان مواظبا على دعوتهم ، وما كان يؤخر الجواب عن شبهاتهم لحظة واحدة ، وأما هود فلم يبلغ إلى هذا الحدّ ؛ فلا جرم جاء بفاء التعقيب في كلام نوح دون كلام هود.
قال الزّمخشريّ : فإن قلت : لم حذف العاطف من قوله [قال يا قوم] ولم يقل «فقال» كما في قصّة نوح؟.
قلت : هو على تقدير سؤال سائل قال : فما قال لهم هود؟ فقيل له : «قال يا قوم».
الثاني : قال في قصة نوح : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ،) وهنا قال : (أَفَلا تَتَّقُونَ) ، والفرق بينهما أنّ قبل نوح لم يظهر في العالم مثل تلك الواقعة العظيمة ، وهي الطّوفان العظيم ، فلا جرم أخبر نوح عن تلك الواقعة فقال : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
وأمّا واقعة هود ـ عليهالسلام ـ فقد سبقتها واقعة نوح ، وكان عهد النّاس بتلك الواقعة قريبا ، فلا جرم قال : (أَفَلا تَتَّقُونَ) أي : تعرفون أنّ قوم نوح لمّا لم يتقوا الله ولم يطيعوه أنزل بهم ذلك العذاب الذي اشتهر خبره في الدّنيا ، فكان ذلك إشارة إلى التّخويف بتلك الواقعة.
الثالث : قال في قصّة نوح (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ).
وقيل في هود : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فوصف الملأ بالكفر ، ولم يوصفوا في قصّة نوح ، والفرق أنّه كان في أشراف قوم هود من آمن به منهم مرثد بن سعد أسلم ، وكان يكتم إيمانه بخلاف قوم نوح ، لأنّه لم يؤمن منهم أحد (١).
قاله الزّمخشريّ (٢) وغيره ، وفيه نظر لقوله تعالى : (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ٣٦] وقال : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [هود : ٤٠] ويحتمل أنّ حال مخاطبة نوح لقومه لم يؤمن منهم أحد بعد ثمّ آمنوا ، بخلاف قصّة هود فإنّه حال خطابهم كان فيهم مؤمن ويحتمل أنها صفة لمجرّد الذّمّ من غير قصد تميز بها.
الرابع : حكي عن قوم نوح قولهم : (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وحكي عن قوم هود قولهم : (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) [الأعراف : ٦٦] الفرق أنّ نوحا خوف الكفّار بالطّوفان العام وكان مشتغلا بإعداد السّفينة ، فلذلك قالوا : (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) حيث تتعب نفسك في إصلاح سفينة كبيرة في مفازة ليس فيها قطرة من الماء ، ولم يظهر شيء من العلامات تدلّ على ظهور الماء في تلك المفازة.
وأمّا هود فلم يذكر شيئا إلا أنه زيّف عبادة الأوثان ، ونسب من اشتغل بعبادتها إلى
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١١٦.