حدثت هذه الإرادة ، واعلم أنّ هذا باطل ؛ لأنّ في الآية وجوها من التّأويل (١) :
أحدها : أنّه تعالى أخبر في ذلك الوقت بنزول العذاب عليهم ، فلمّا حدث الإعلام في ذلك الوقت ، لا جرم قال هود في ذلك الوقت : «قد وقع عليكم من ربّكم رجس».
وثانيها : أنّه جعل المتوقّع الذي لا بدّ من نزوله بمنزلة الواقع ، كقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١].
وثالثها : أن يحمل قوله : «وقع» على معنى وجد وجعل ، والمعنى : إرادة إيقاع العذاب عليكم حصلت من الأزل.
قوله : «من ربّكم» إمّا متعلق ب «وقع» و «من» للابتداء مجازا ، وإمّا أن يتعلق بمحذوف لأنّها حال ، إذ كانت في الأصل صفة ل «رجس».
والرّجس : العذاب والسين مبدلة من الزاي.
وقال ابن الخطيب : لا يمكن أن يكون المراد لأنّ المراد من الغضب العذاب ، فلو حملنا الرّجس عليه لزم التّكرير ، وأيضا الرجس ضد التطهير قال تعالى : (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣] والمراد التّطهير عن العقائد الباطلة.
وإذا ثبت هذا فالمراد بالرجس أنّه تعالى خصّهم بالعقائد المذمومة ، فيكون المعنى أنّه تعالى زادهم كفرا ثم خصّهم بمزيد الغضب.
قوله : «أتجادلونني» استفهام على سبيل الإنكار في أسماء الأصنام وذلك أنهم كانوا يسمون الأصنام بالآلهة ، مع أن معنى الإلهية فيها معدوم ، سموا واحدا منها بالعزّى مشتقا من العزّ ، والله ـ تعالى ـ ما أعطاه عزّا أصلا ، وسمّوا آخر منها باللّات ، وليس له من الإلهية شيء.
قوله : «سمّيتموها» صفة ل «أسماء» ، وكذلك الجملة من قوله : «ما نزّل الله بها من سلطان» يدلّ على خلوّ مذاهبهم عن الحجّة.
و «من سلطان» مفعول «نزّل» ، و «من» مزيدة ، ثمّ إنّه عليه الصّلاة والسّلام ذكر لهم وعيدا مجرّدا فقال : فانتظروا ما يحصل لكم من عبادة الأصنام إنّي معكم من المنتظرين.
فقوله : «من المنتظرين» خبر «إني» ، و «معكم» فيه ما تقدّم في قوله : (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) ، ويجوز ـ وهو ضعيف ـ أن يكون «معكم» هو الخبر و «من المنتظرين» حال ، والتقدير : إني مصاحبكم حال كوني من المنتظرين النّصر والفرج من الله ، وليس بذلك ؛ لأنّ المقصود بالكلام هو الانتظار ، لمقابلة قوله : «فانتظروا» فلا يجعل فضلة.
__________________
(١) ينظر المصدر السابق ١٤ / ١٢٩ ـ ١٣٠.