وقال ابن عباس : «المراد : ابنتاه» وقوله : «إلا امرأته» أي : زوجته ، يقال : امرأة الرّجل أي زوجته ويقال : رجل المرأة بمعنى زوجها ؛ لأنّ الزوج بمنزلة المالك لها ، وليست المرأة بمنزلة المالك للرّجل.
وقوله : «من الغابرين» يعني الباقين في العذاب.
وقيل : من الباقين المعمّرين قد أتى عليها دهر طويل فهلكت ، فهي مع من هلك.
يقال : غبر الشيء يغبر غبورا إذا مكث وبقي.
وقوله : «كانت من الغابرين» جواب السؤال مقدّر ، وهذا كما تقدم في البقرة ، وفي أوّل هذه السّورة في قصة «إبليس».
والغابر : المقيم وهذا [هو] مشهور اللّغة ، وأنشدوا قول أبي ذؤيب الهذلي : [الكامل]
٢٥١٣ ـ فغبرت بعدهم بعيش ناصب |
|
وإخال أنّي لاحق مستتبع (١) |
ومنه غبّر اللبن لبقيته في الضّرع ، وغبّر الحيض أيضا ، قال أبو كبير الهذليّ ، ويروى لتأبّط شرّا : [الكامل]
٢٥١٤ ـ ومبرّأ من كلّ غبّر حيضة |
|
وفساد مرضعة وداء معضل (٢) |
ومعنى «من الغابرين» في الآية أي : من المقيمين في الهلاك.
وقال بعضهم : «غبر بمعنى مضى وذهب» ومعنى الآية يساعده ؛ وأنشد للأعشى : [السريع]
٢٥١٥ ـ عضّ بما أبقى المواسي له |
|
من أمّه في الزّمن الغابر (٣) |
أي : الزمان الماضي.
وقال بعضهم : غبر : أي غاب ، ومنه قولهم : «غبر عنّا زمانا».
وقال أبو عبيدة (٤) : «غبر : عمّر دهرا طويلا حتّى هرم» ، ويدلّ له : (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) [الصافات : ١٣٥].
وقد تقدّم. والحاصل أنّ الغبور مشترك ك «عسعس» ، أو حقيقة ومجاز وهو المرجح. والغبار : ما يبقى من التّراب المثار ومنه : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ) [عبس : ٤٠]
__________________
(١) البيت لأبي ذؤيب الهذلي ينظر تخليص الشواهد ٤٤٨ ، الدرر ٢ / ٢٥٩ ، شرح شواهد المغني ١ / ٢٦٢ ، شرح أشعار الهذليين ١ / ٨ ، المقاصد النحوية ٣ / ٤٩٤ ، المنصف ١ / ٣٢٢ ، همع الهوامع ١ / ١٥٣ ، وللهذلي في مغني اللبيب ١ / ٢٣١ ، الدر المصون ٣ / ٢٩٩.
(٢) البيت ينظر : ديون الهذليين ٢ / ٩٣ ، الدر المصون ٣ / ٢٩٩.
(٣) البيت للأعشى ينظر : ديوانه ١٩٥ ، اللسان (غبر) الدر المصون ٣ / ٢٩٩.
(٤) ينظر مجاز القرآن ١ / ٢١٨.