و «على» للاستعلاء ، وقد علا ذلك المكان ، و «في» للحلول ، وقد حلّ ذلك المكان.
و «توعدون» ، و «تصدّون» ، و «تبغون» هذه الجمل أحوال [أي] : لا تقعدوا موعدين وصادّين وباغين.
ولم يذكر الموعد له لتذهب النّفس كلّ مذهب. ومفعول «تصدّون» «من آمن».
قال أبو البقاء (١) : «من آمن» مفعول «تصدّون» لا مفعول «توعدون» ، إذ لو كان مفعولا للأوّل لقال : «تصدّونهم» ، يعني أنّه لو كان كذلك لكانت المسألة من التّنازع ، وإذا كانت من التنازع وأعملت الأول لأضمرت في الثاني فكنت تقول : «تصدّونهم» لكنه ليس القرآن كذا ، فدل على أن «توعدون» ليس عاملا فيه ، وكلامه يحتمل أن تكون المسألة من التّنازع ـ ويكون ذلك على إعمال الثاني ، وهو مختار البصريين وحذف من الأوّل ـ وألّا تكون وهو الظّاهر.
وظاهر كلام الزمخشري (٢) : أنّها من التّنازع ، وأنّه من إعمال الأوّل ، فإنّه قال : فإن قلت : إلام يرجع الضّمير في «من آمن به»؟
قلت : إلى كلّ صراط ، تقديره : توعدون من آمن به وتصدّون عنه ، فوضع الظّاهر الذي هو «سبيل الله» موضع المضمر زيادة في تقبيح أمرهم.
قال أبو حيّان (٣) : «وهذا تعسّف وتكلّف مع عدم الاحتياج إلى تقديم وتأخير ، ووضع ظاهر موضع مضمر ، إذ الأصل خلاف ذلك كلّه ، ولا ضرورة تدعو إليه ، وأيضا فإنّه من إعمال الأوّل وهو مذهب مرجوح ، ولو كان من إعمال الأوّل لأضمر في الثاني وجوبا ، ولا يجوز حذفه إلا في ضرورة شعر عند بعضهم [كقوله] : [مجزوء الكامل]
٢٥١٩ ـ بعكاظ يعشي النّاظري |
|
ن إذا هم لمحوا شعاعه (٤) |
فأعمل «يغشي» ورفع به «شعاعه» وحذف الضمير من «لمحوا» تقديره : لمحوه.
وأجازه بعضهم بقلة في غير الشّعر.
والضّمير في «به» : إمّا لكل صراط كما تقدّم عن الزمخشريّ ، وإمّا على الله للعلم به ، وإمّا على سبيل الله ، وجاز ذلك ؛ لأنّه يذكّر ويؤنّث ، وعلى هذا فقد جمع بين الاستعمالين هنا حيث قال : «به» فذكّر ، وقال : «وتبغونها عوجا» فأنّث ، ومثله : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) [يوسف : ١٠٨] [وقد تقدّم](٥) نحو قوله : (تَبْغُونَها عِوَجاً) في آل عمران (٦).
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٧٩.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٢٨.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٤١.
(٤) البيت لعاتكة بنت عبد المطلب ينظر : المغني ٢ / ٦١١ ، التصريح ١ / ٣٢٠ ، الهمع ٢ / ١٠٩ ، الدر المصون ٣ / ٣٠١.
(٥) سقط من أ.
(٦) ينظر تفسير الآية (٩٩) من سورة آل عمران.