الأول : علمنا قبحه وفساده وبطلانه.
الثاني : أن الله نجّى قومه من تلك الملة ، وإنما نظم نفسه في جملتهم وإن كان بريئا منهم تغليبا للأكثر.
الثالث : أن القوم أوهموا المستضعفين أنه كان على ملتهم ، فقوله : (بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) أي على حسب معتقدكم.
قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) في هذا الاستثناء وجهان :
أحدهما : أنه متصل.
والثاني : أنه منقطع. ثم القائلون بالاتصال مختلفون : فمنهم من قال : هو مستثنى من الأوقات [العامة] والتقدير : وما يكون لنا أن نعود فيها في وقت من الأوقات إلا في وقت مشيئة الله ذلك ، وهذا متصور في حقّ من عدا شعيبا ، فإن الأنبياء لا يشاء الله ذلك لهم ؛ لأنه عصمهم.
ومنهم من قال : «هو مستثنى من الأحوال العامة والتقدير : ما يكون لنا أن نعود فيها في
كل حال إلا في حال مشيئة الله تعالى».
وقال ابن عطية : «ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبّد الله [به] المؤمنين ممّا تفعله الكفرة من القربات فلمّا قال لهم : إنا لا نعود في ملّتكم ، ثم خشي أن يتعبّد الله بشيء من أفعال الكفرة فيعارض ملحد بذلك ويقول : هذه عودة إلى ملّتنا استثنى مشيئة الله فيما يمكن أن يتعبّد به» (١).
قال أبو حيان (٢) : «وهذا الاحتمال لا يصحّ لأن قوله : «بعد إذ نجّانا الله منها» إنما يعني النجاة من الكفر والمعاصي لا من أعمال البر».
قال شهاب الدين (٣) : «قد حكى ابن الأنباري هذا القول عن المعتزلة الذين لا يؤمنون بالإرادة ثم قال : وهذا القول متناوله بعيد ، لأن فيه تبعيض الملّة».
وقيل : هذا استثناء على سبيل التسليم والتأدّب.
قال ابن عطية (٤) : «ويقلق هذا التأويل من جهة استقبال الاستثناء ، ولو كان الكلام : «إلا إن شاء» قوي هذا التأويل».
وهذا الذي قاله سهو ؛ لأنّ الماضي يتخلّص للاستقبال بعد «إن» الشرطية ، كما يتخلّص المضارع له ب «أن» المصدرية.
وقيل : إن الضمير في قوله : «فيها» ليس عائدا على الملّة ، بل عائد على الفرية ، والتقدير : وما يكون لنا أن نعود في الفرية إلا أن يشاء ربنا ، وهو حسن لو لا بعده.
__________________
(١) في أ : يتعبده.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٤٦.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٠٤.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٢٩.