وخامسها : أن نقول : يجب حمل المشيئة هاهنا على الأمر ؛ لأن «وما كان لنا أن
__________________
ـ المشهور ـ والثاني : أنه لم ينكر الغسل إنما أنكر القراءة ، فكأنه لم يكن بلغه قراءة النصب ، وهذا غير ممتنع ، ويؤيد هذا التأويل : أن أنسا نقل عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، ما دل على الغسل. وكان أنس يغسل رجليه ، وهذا الجواب ذكره البيهقي وغيره. والثالث : سلمنا أن كلام أنس يتعذر تأويله ، لكن ما قدمناه من فعل النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقوله وفعل الصحابة وقولهم ، مقدم عليه فلم يكن حجة ، وأما الجواب عن قول ابن عباس فمن وجهين : أحدهما : أنه ليس بصحيح ولا معروف عنه ، وإن كان قد رواه ابن جرير عنه إلا أن إسناده ضعيف ، بل الصحيح الثابت عن أنه كان يقرأ (وأرجلكم) بالنصب. ويقول : عطف على المغسول. هكذا رواه عنه الأئمة الحفاظ ، منهم : أبو عبيدة القاسم وجماعات القراء والبيهقي وغيره بأسانيدهم. وقد ثبت في صحيح البخاري عنه أنه توضأ فغسل رجليه ، وقال : هكذا رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتوضأ. وثانيهما كالجواب الأخير في كلام أنس المتقدم ، والأول أصحهما ـ وأما الجواب عن حديث رفاعة فهو أنه على لفظ الآية ، فيقال فيه كما قيل في الآية. وأما حديث علي فالجواب عنه من أوجه أحسنها : أنه ضعيف ، ضعفه البخاري وغيره من الحفاظ فلا يحتج به ، لو لم يخالفه غيره ، فكيف وهو مخالف للسنن المتظاهرة والدلائل الظاهرة؟ الثاني : أنه لو ثبت لكان الغسل مقدما عليه ، لأنه ثابت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والثالث : أنه محمول على أنه غسل الرجلين في النعلين ، فقد ثبت عنه من أوجه كثيرة غسل الرجلين ؛ فوجب حمل الرواية المحتملة على الروايات الصحيحة الصريحة ـ وأما قياسهم على الرأس فمنتقض برجل الجنب ، فإنه لا مدخل لها في التيمم ، ولا يجزىء مسحها بالاتفاق. وأما القائلون بوجوب المسح ، وهم الإمامية ، فلم يأتوا بحجة ، وجعلوا قراءة النصب في الآية عطفا على محل قوله : برؤوسكم (وهو النصب) ومنهم من يجعل الباء الداخلة على الرؤوس زائدة ، والأصل (وامسحوا رؤوسكم وأرجلكم) بل رجحوه بقرب الرؤوس ، ولا يصح متمسكا لهم ، لمخالفة الكتاب والسنة المتواترة قولا وفعلا. ولو سلّم هذا لهم ، فبماذا يجيبون عن الأحاديث المتواترة؟ وقد علمت أن هذا الخلاف منهم لم يكن شيئا يذكر في جانب الإجماع ، إذ لا اعتداد بهم فيه.
مذهب الشافعية جواز المسح على الخف الشرعي ، لمن ليس يشرطه بدلا عن غسل الرجلين في الوضوء ، وعليه الصحابة والجمهور وبه قال عامة الفقهاء ، وبه قال مالك في رواية عنه وروى الشافعي عنه أنه قال : يكره ذلك ، وقالت الشيعة والخوارج وأبو بكر بن داود الظاهري : لا يجوز ـ وهو رواية ابن أبي ذؤيب عن مالك أنه أبطل المسح على الخفين في آخر أيامه ، ويدل للشافعية أولا : إجماع من يعتد به في الإجماع على جواز المسح على الخفين ، سواء كان لحاجة ، أو لغيرها حتى يجوز للمرأة الملازمة بيتها والزمن الذي لا يمشي. فخلاف الشيعة والخوارج لا يعتد به ، فقد نقل ابن المنذر عن ابن المبارك قال : ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف ، لأن كل من روي عنه منهم إنكاره ، فقد روي عنه إثباته. وقال : ليس في المسح على الخفين اختلاف هو جائز اه. وقال : جماعات من السلف نحو هذا وقال ابن عبد البر لا أعلم من روى عن أحد من فقهاء السلف إنكاره ، إلا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة مصرحة عنه بإثباته. وقد أشار الشافعي في الأم إلى إنكار ذلك على المالكية والمعروف المستقر عندهم الآن قولان : الجواز مطلقا ، ثانيهما : للمسافر دون المقيم. وثانيا : السنة المروية من الطرق المختلفة بالأسانيد الصحيحة المتواترة معنى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ مسح على خفيه ـ وترخيصه فيه. واتفاق الصحابة فمن بعدهم عليه.
فمن ذلك أولا : ما ثبت في الصحيحين عن جرير البجلي ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : رأيت رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يمسح على الخفين ، ورواه أبو داود وزاد في روايته قالوا لجرير : إنما كان هذا قبل نزول المائدة ـ فقال جرير : وما أسلمت إلا بعدها ، وكان إسلام جرير متأخرا جدا. قال الأذرعي : كان إسلامه في ـ