ورابعها : أن المراد بقوله : «لنخرجنك يا شعيب» أي من القرية ، فيكون المراد بقوله : «أن نعود فيها» أي القرية.
__________________
ـ والجواب عن احتجاجهم بالآية : أنها قرئت بالنصب والجر والرفع ، وقراءة النصب والجر سبعيتان. قرأ بالنصب نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه. وقرأ بالجر ابن كثير وحمزة وأبو عمر وعاصم في رواية أبي بكر عنه. وأما الرفع فقراءة الحسن.
أما قراءة النصب فيكون أرجلكم فيها معطوفا على الوجه والأيدي. وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قرأ بالنصب ، وقال : هو من المقدم والمؤخر ؛ يعني أن (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) مقدم على (وَأَرْجُلَكُمْ) وهو مؤخر عنه ـ ونظم الآية على الترتيب هكذا : «فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤسكم» وقرأ ابن عباس بالنصب ، وقال : يرجع إلى الغسل ، وكذلك مجاهد وعروة. والنصب صريح في الغسل فعلى هذه القراءة لا دلالة فيها على المسح.
وأما قراءة الرفع فأرجلكم مبتدأ والخبر يحتمل أن يكون مغسولة أو ممسوحة على السواء. ولعل هذه شبهة القائلين بالتمييز بين الغسل والمسح. لكن أدلة الجمهور المتقدمة تعين أن الخبر مغسولة. وأما قراءة الجر فالجواب عنها من وجوه ـ أولا : قال سيبويه والأخفش وغيرهما : إن جرها بالجوار للرؤوس «لا بحكم العطف عليها». مع أن الأرجل منصوبة. كما تقول العرب : «جحر ضبّ خرب» بجرّ خرب على جوار ضب ، وهو مرفوع صفة لجحر ، ومنه في القرآن (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) ، فجر أليما على جوار يوم ، وهو منصوب صفة لعذاب ، ولا يعكر على الجر بالمجاورة وجود الواو ، فإن الجر بالمجاورة مع الواو مشهور في أشعارهم. من ذلك قول الشاعر :
لم يبق إلّا أسير غير منفلت |
|
وموثّق في عقال الأسر مكبول |
فجر موثقا لمجاورته منفلت ، وهو مرفوع معطوف على أسير. فإن قيل : الجر بالمجاورة إنما يكون فيما لا لبس فيه ، وهذا فيه لبس. قلنا : لا لبس هنا لأنه حدد بالكعبين والمسح لا يكون إليهما اتفاقا ويدل على أن الجر بالمجاورة لا بالعطف أن المسح لو كان في كتاب الله تعالى لكان الاتفاق فيه ، والاختلاف في الغسل. وقد اتفقنا على جواز الغسل. على أن السنة والإجماع قد بينا أن المراد من فرض الرجلين الغسل. ومع هذا فلا لبس مطلقا. وثانيا : قال أبو علي الفارسي قراءة الجر وإن كانت عطفا على الرؤوس ، فالمراد بها الغسل ، لأن العرب تسمي خفيف الغسل مسحا ، ولهذا إنهم يقولون : مسحت للصلاة. يريدون به الغسل. وإنما عبر عن غسل الرجلين بالمسح طلبا للاقتصاد فيه ، لأنهما مظنة الإسراف ؛ لغسلهما بالصب عليهما. وبجعل الباء المقدرة على هذا للإلصاق ، ولا للتبعيض. يدل لهذا أنه حد فرض الرجلين بالكعبين مع أن المسح لا يجب فيه الاستيعاب ، فدل على أنه أراد به الغسل.
وثالثا : نقول إنها وإن كانت معطوفة على الرؤوس فإنه أراد به مسح الرجلين في حالة مخصوصة ، وهي حالة لبس الخف ، فالمراد بمسح الرجل مسح الخف.
والتحديد بالكعبين ، مع أن مسح الخف لا يجب فيه الاستيعاب ، إنما هو لبيان محل الإجزاء فيه. وأما قول علي رضي الله عنه ، فإنه أراد به : إذا لبس الخف. لما روي عنه أنه مسح على الخف وقال : لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره ، ولكني رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم مسح على ظاهر خفيه خطوطا بالأصابع ؛ ومن رأى المسح على الخفين لا يرى مسح الرجلين. وروى الحارث عن علي رضي الله عنه أنه قال : «اغسلوا القدمين إلى الكعبين كما أمرتم». فدل على أنه أراد المسح في حالة لبس الخفين. وأما الجواب عن احتجاجهم بقول أنس فمن وجوه :
أحدها : أن أنسا أنكر على الحجاج كونه الآية تدل على يقين الغسل ، وكان يعتقد أن الغسل إنما علم وجوبه من بيان السنة ، فهو موافق للحجاج في الغسل مخالف له في الدليل. وهذا الجواب هو ـ