ـ كما أن المسح على الخفين مراد لله تعالى ، وإن كان غسل الرجلين أفضل (١).
__________________
(١) قد أجمع المسلمون على وجوب غسل الرجلين ، ولم يخالف في ذلك من يعتد به في الإجماع كما صرح بذلك الشيخ أبو حامد وغيره ـ وعليه الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء. وتنحصر أقوال المخالفين في ثلاثة أقوال : الأول : أن الواجب مسحهما ، وبه قالت الإمامية من الشيعة. الثاني : أن المتوضىء مخير بين غسلهما ومسحهما ، وعليه الحسن البصري ، وهو محكي عن ابن جرير الطبري ، وحكاه الخطابي عن الجبائي المعتزلي. الثالث : أن الواجب غسلهما ومسحهما جميعا ، وعليه بعض أهل الظاهر ك «داود» والصواب هو مذهب الأئمة الأربعة والجمهور ، لأمور :
أولا : الأحاديث الصحيحة المستفيضة ، في صفة وضوئه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وفيها أنه غسل رجليه. منها أولا : ما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ رأى جماعة توضّئوا وبقيت أعقابهم تلوح لم يمسّها الماء فقال : «ويل للأعقاب من النار» وفيه دلالة على أن استيعاب الرجلين بالغسل واجب. وثانيا ـ ما روى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدميه ، فأبصره النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «ارجع فأحسن وضوءك».
وثالثا : ما روى أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة «أن رجلا أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال يا رسول الله ، كيف الطهور فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثا» وذكر الحديث : إلى أن قال «ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا. ثم قال : هكذا الوضوء ، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم». وهو من أحسن الأدلة في المسألة.
ورابعا : ما قال البيهقي : روينا في الحديث الصحيح عن عمرو بن عبسة عن النبي صلىاللهعليهوسلم ـ في الوضوء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين ، كما أمره الله تعالى. قال البيهقي : وفي هذا دلالة على أن الله تعالى أمر بغسلهما. وخامسا : حديث لقيط بن صبرة ؛ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «وخلل بين الأصابع» وهو حديث صحيح ، رواه الترمذي وغيره ، وصححوه. وفيه دلالة للغسل ـ وسادسا : بما روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه فيغسل وجهه ثم يديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه».
وثانيا : الإجماع قال الحافظ في الفتح : «ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك «يعني غسل الرجلين» ، إلا عن علي وابن عباس وأنس ، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك «ا ه». رواه سعيد بن منصور ا ه شوكاني.
ثالثا : أنهما عضوان محدودان في كتاب الله تعالى كاليدين ، فإنه قال : «إلى الكعبين» كما قال : «إلى المرافق» فكان واجبهما الغسل كاليدين واحتج من لم يوجب غسل الرجلين أولا بقوله تعالى : وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ بالجر على إحدى القراءتين في السبع ، بعطف الأرجل على الرؤوس ، كما عطف الأيدي على الوجوه ، فعطف الممسوح على الممسوح. وثانيا : بما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : «عضوان مغسولان وعضوان ممسوحان» وثالثا : بما روي عن أنس أنه بلغه أن الحجاج خطب فقال : «أمر الله تعالى بغسل الوجه واليدين وغسل الرجلين» فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج. فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم». قرأها جرا. ورابعا : بما روي عن ابن عباس أنه قال : «إنما هما غسلتان ومسحتان» وعنه أيضا : «أمر الله بالمسح» وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : أجمع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم على غسل القدمين ويأبى الناس إلا الغسل. وخامسا : بما روي عن رفاعة من حديث المسيء صلاته. قال له النبي صلىاللهعليهوسلم عليه وسلّم : «إنه لا يتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء ، كما أمره الله تعالى ، فيغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ورجليه». وسادسا : بما روي عن علي رضي الله عنه أنه توضأ فأخذ حفنة من ماء ، فرش على رجله اليمنى ، وفيها نعله ثم فتلها ، ثم صنع بالأخرى كذلك.
وسابعا : بقياس حاصله : أنه عضو لا مدخل له في التيمم ، فجاز مسحه كالرأس. ـ