فإنا نعود إليها ، والشريعة المنسوخة لا يبعد أن يأمر الله](١) بالعمل بها مرة أخرى ، وعلى هذا التقدير يسقط استدلالكم (٢).
وسادسها : قال الجبائي (٣) : المراد من الملّة الشريعة التي يجوز اختلاف التعبد فيها بالأوقات كالصلاة والصيام وغيرهما ، فقال شعيب : «وما كان لنا أن نعود في ملتكم» فلما دخل في ذلك كل ما هم عليه ، وكان من الجائز أن يكون بعض تلك الأحكام والشرائع باقيا غير منسوخ ، لا جرم قال : «إلا أن يشاء الله» والمعنى : إلا أن يشاء الله بقاء بعضها ، فيدلّنا عليه ، فحينئذ نعود إليها ، فهذا الاستثناء يعود إلى الأحكام التي يجوز النسخ والتغيير فيها ، ولا يعود إلى ما لا يقبل التغيير ألبتة ، فهذه أسئلة القوم (٤).
وتمسك المعتزلة بهذه الآية على صحة قولهم من وجهين (٥) :
الأول : أن ظاهر قوله «وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله» يقتضي أنه لو شاء الله عودنا إليها لكان لنا أن نعود إليها ، وذلك يقتضي أن كلّ ما شاء الله وجوده كان فعله جائزا مأذونا فيه ، ولم يكن حراما ، قالوا : وهذا عين مذهبنا أن كل ما أراد حصوله كان حسنا مأذونا فيه ، وما كان حراما ممنوعا منه لم يكن مرادا لله تعالى.
الثاني : أن قولهم : «لنخرجنّك أو لتعودنّ» لا وجه للفصل بين هذين القسمين على قول الخصم ، لأن على قولهم خروجهم من القرية بخلق الله وعودهم إلى تلك القرية أيضا بخلقه ، وإذا كان حصول القسمين بخلق الله ، لم يبق للفرق بين القسمين فائدة.
واعلم أنه لمّا تعارض استدلال الفريقين بهذه الآية وجب الرجوع إلى بقية الآيات في هذا الباب.
قوله : (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) نصب «علما» على التمييز وهو منقول من الفاعلية ، تقديره : وسع علم ربّنا كلّ شيء كقوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٢٤] والمعنى : أحاط علمه بكل شيء.
ثم قال : (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) فيما توعدوننا به ، ثم دعا شعيب بعدما أيس من فلاحهم فقال : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ).
قال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي : «احكم واقض» (٦).
وقال الفراء : «وأهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح ؛ لأنه يفتح مواضع الحقّ».
__________________
(١) سقط من أ.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٤٦.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٤٦.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٤٦.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤ ـ ٥) عن ابن عباس والحسن وقتادة. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٩١) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.