تعالى يشاء الكفر من الكافر عنده ولا يجوز له فعله ، إنما الذي يوجب الجواز هو الأمر ، فثبت أن المراد من المشيئة هاهنا الأمر ، فكان التقدير إلّا أن يأمر الله [بعودنا في ملتكم
__________________
ـ وتاسعا : قالوا : ولأن غسل الرجلين قد يجب في غسل الجنابة كوجوبه في الوضوء فلما لم يجز في الجنابة أن يعدل إلى مسح الخفين بدلا من غسلهما كذلك في الوضوء.
والجواب عنه : أن السنة قد بينت الفرق بينهما وهو أن غسل ما جاوز القدمين (مما استتر في ساق الخف) لما وجب عليه في الجنابة ولم يمكن غسله في الخفين وجب خلعهما ليتمكن من غسله وإذا خلعهما ظهرت الرجلان فلم يجز المسح على الخفين مع ظهورهما في غسل الجنابة ووجب غسلهما مع جميع البدن. وإذا بطل ما تمسك به المخالفون لم يبق لهم شبهة فيها روح وثبت جواز المسح على الخفين في الوضوء بدلا عن غسل الرجلين.
قد علم مما بينا أن المسح على الخفين في الوضوء بدلا عن غسل الرجلين جائز. والمراد بالجواز هنا أنه لا يمتنع شرعا فعله ولا يجب ترك الغسل إليه وليس المراد منه ما يتبادر منه عند الإطلاق الذي هو استواء الطرفين «وهما المسح على الخفين وتركه بغسل الرجلين» حتى يكون مباحا بل هو خلاف الأولى فحكمه الأصلي من حيث العدول عن غسل الرجلين أنه خلاف الأولى فيكون غسل الرجلين أفضل منه ووافقنا على ذلك أبو حنيفة ومالك. وبه قال عمر بن الخطاب وابنه رضي الله عنهما فيما رواه ابن المنذر عنهما. وأبو أيوب الأنصاري فيما رواه البيهقي عنه. وقال الشعبي والحكم وحماد المسح أفضل وهو أصح الروايتين عن أحمد. والرواية الأخرى عنه أن الغسل والمسح سواء. وقال ابن المنذر والذي أختاره أن المسح أفضل لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض ، وإحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه ا ه.
وما ذهبنا إليه هو المختار. ويدل لنا أولا : أن غسل الرجلين هو الأصل فكان أفضل كالوضوء مع التيمم في موضع يجوز له فيه التيمم كما إذا وجد في السفر ماء يباع بأكثر من ثمن المثل فله التيمم حينئذ لكن لو اشتراه والحالة هذه وتوضأ كان الوضوء أفضل.
وثانيا : أن غسل الرجلين هو الذي واظب عليه النبي صلىاللهعليهوسلم في معظم الأوقات : وتمسك من قال بأن المسح أفضل أولا :
بحديث المغيرة رضي الله عنه : أن النبي صلىاللهعليهوسلم مسح على الخفين فقلت : يا رسول الله نسيت فقال : بل أنت نسيت. بهذا أمرني ربي ، رواه أبو داود.
وثانيا : بحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ينزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة. الحديث. والأمر فيهما إذا لم يكن للوجوب كان للندب. والجواب عنهما أن الأمر فيهما للإباحة والترخيص لما ذكرنا. ولأن حديث صفوان ورد في رواية النافي بلفظ : أرخص لنا. وحديث المغيرة فيه تأويل آخر وهو أن قوله : بهذا أمرني ربي. معناه «ببيان هذا أمرني ربي» فلا حجة فيه.
وثالثا : ما تقدم عن ابن المنذر أن أهل البدع من الخوارج والروافض قد طعنوا فيه «من غير دليل يصلح متمسكا لهم» وإحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه والجواب عنه أن الكلام مفروض في المسح من حيث حكمه الأصلي بقطع النظر عما يعرض له من الأحوال التي تكسبه حكما آخر.
وأما بالنظر إلى ما يعرض له فسنبين أنه قد يكون واجبا فضلا عن أن يكون أفضل. وما ذكرتم من وجهة نظركم في كونه أفضل سنوضح أنه والحالة هذه يكون مندوبا لكن هذا الوجوب وذلك الندب حكمان عارضان له كما سيأتي وكلامنا في حكمه الأصلي.