إلى معرفة مقدار الشيء ، ومقادير الثواب والعقاب لا يمكن إظهارها بالميزان ؛ لأن أعمال العباد أعراض ، وهي قد فنيت وعدمت ، ووزن المعدوم محال ، وأيضا فبتقدير بقائها كان وزنها محالا (١).
وأجيب بأنّ فائدته أنّ جميع المكلفين يعلمون يوم القيامة أنّه تعالى منزّه عن الظّلم والجور. وفائدة وضع الميزان أن يظهر ذلك الرّجحان لأهل الموقف ، فإن رجحت الحسنات ازداد فرحه وسروره ، وإن كان بالضّدّ فيزداد غمّه.
وقال القرطبيّ (٢) : «الصّحيح أنّ المراد بالميزان وزن أعمال العباد».
فإن قيل : الموزون صحائف الأعمال ، أو صور مخلوقة على حسب مقادير الأعمال.
فنقول : إنّ المكلف يوم القيامة إمّا أن يكون مقرا بأنّ الله ـ تعالى ـ عادل حكيم ، أو لا يكون مقرّا بذلك فإن كان مقرّا بذلك فحينئذ كفاه حكم الله تعالى بمقادير الثّواب والعقاب في علمه بأنه عدل وصواب ، وإن لم يكن مقرّا بذلك لم يعرف من رجحان كفّة الحسنات على كفّة السيّئات أو بالعكس من حصول الرّجحان لا على سبيل العدل والإنصاف ، فثبت أنّ هذا الوزن لا فائدة فيه ألبتّة (٣) وقال أكثر المفسرين : أراد وزن الأعمال بالميزان ، وذلك أنّ الله ـ تعالى ـ ينصب ميزانا له لسان يوزن بها أعمال العباد خيرها وشرها وكفتان ، كل كفّة بقدر ما بين المشرق والمغرب.
واختلفوا في كيفيّة الوزن ، فقال بعضهم : توزن صحائف الأعمال.
وروي أنّ رجلا ينشر عليه تسعة وتسعون سجلّا ، كل سجّلّ منها مدّ البصر فيها خطاياه وذنوبه فتوضع في كفّة الميزان ثم يخرج له بطاقة فيها شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، فتوضع السّجلات في كفة ، والبطاقة في كفّة فطاشت السّجلات وثقلت البطاقة.
وقيل : توزن الأشخاص.
روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ليأتي الرّجل العظيم السّمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة» (٤).
وقيل : توزن الأعمال. روي ذلك ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ فيؤتى بالأعمال
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٤ / ٢٣.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ١٠٧.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٢٣.
(٤) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٨ / ٤٢٦ ، كتاب التفسير سورة الكهف : باب «أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ» الحديث (٤٧٢٩) ومسلم في الصحيح ٤ / ٢١٤٧ ، كتاب صفة القيامة والجنة والنار الحديث (١٨ / ٢٧٨٥).