وأصل البركة المواظبة على الشّيء ، أي تابعنا عليهم المطر والمراد ب «بركات السّماء» المطر ، وب «بركات الأرض» النّبات والثّمار وكثرة المواشي والأمن والسّلامة ، وذلك لأنّ السّماء تجري مجرى الأب ، والأرض تجري مجرى الأم ، ومنهما يحصل المنافع ، والخيرات بخلق الله تعالى تدبيره.
ثم قال : (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ) بالجدب والقحط (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الكفر والمعصية ، ثمّ إنّه تعالى أعاد التّهديد بعذاب الاستئصال فقال : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) يعني «مكّة» وما حولها (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا) أي : العذاب ، وهذا استفهام بمعنى الإنكار ، خوّفهم الله ـ تعالى ـ بنزول العذاب عليهم في وقت غفلتهم ، وهو حال النّوم باللّيل ، وحال الضّحى بالنّهار ؛ لأنّه وقت اشتغال المرء باللّذّات.
وقوله : (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) يحتمل التّشاغل بأمور الدّنيا فهي لعب ولهو ، ويحتمل في كفرهم ؛ لأنّه كاللّعب في أنّه يضرّ ولا ينفع.
قوله : «أفأمن».
قال الزّمخشريّ (١) : «فإن قلت : ما المعطوف عليه ، ولم عطفت الأولى بالفاء والثّانية بالواو؟.
قلت : المعطوف عليه قوله : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) ، [وقوله : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) إلى : «يكسبون» وقع اعتراضا بين المعطوف والمعطوف عليه وإنّما عطفت بالفاء ؛ لأنّ المعنى : «فعلوا وصنعوا فأخذناهم بغتة ، أبعد ذلك](٢) أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى».
قال أبو حيّان (٣) : وهذا الّذي ذكره رجوع عن مذهبه في مثل ذلك إلى مذهب الجماعة ، وذلك أنّ مذهبه في الهمزة المصدرة على حرف العطف تقدير معطوف عليه بين الهمزة وحرف العطف ، ومذهب الجماعة أنّ حرف العطف في نيّة التقدّم ، وإنّما تأخّر وتقدّمت عليه همزة الاستفهام لقوّة تصدّرها في أوّل الكلام». وقد تقدّم تحقيقه ، والزّمخشريّ هنا لم يقدّر بينهما معطوفا عليه ، بل جعل ما بعد الفاء معطوفا على ما قبلها من الجمل ، وهو قوله : «فأخذناهم بغتة».
قوله : «بياتا» تقدّم أوّل السّورة (٤) أنّه يجوز أن يكون حالا ، وأن يكون ظرفا.
وقوله : (وَهُمْ نائِمُونَ) جملة حاليّة ، والظّاهر أنّها حال من الضّمير المستتر في «بياتا» ؛ لأنّه يتحمّل ضميرا لوقوعه حالا ، فيكون الحالان متداخلين.
قوله : «ضحى» منصوب على الظّرف الزّمانيّ ، ويكون متصرفا وغير متصرّف ،
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ١٣٤.
(٢) سقط من أ.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٥٠.
(٤) ينظر تفسير الآيتين (٤ ، ٤٠) من هذه السورة.