قال عطاء : «معنى أرجه أي أخّره» (١).
وقيل : احبسه وأخاه ، وهو قول قتادة والكلبيّ ، وهذا ضعيف لوجهين :
أحدهما : أنّ الإرجاء في اللّغة هو التّأخير لا الحبس.
والثاني : أنّ فرعون ما كان قادرا على حبس موسى بعد أن شاهد العصا فأشاروا عليه بتأخير أمره وترك التّعرّض إليه بالقتل.
قوله : (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ).
«في المدائن» متعلق ب «أرسل» ، و «حاشرين» مفعول به ، ومفعول «حاشرين» محذوفة أي : حاشرين السّحرة ، بدليل ما بعده.
و «المدائن» جمع مدينة ، وفيها ثلاثة أقوال :
أصحها : أنّ وزنها فعيلة فميمها أصلية وياؤها زائدة مشتقة من مدن يمدن مدونا أي قام ، واستدلّ لهذا القول بإطباق القراء على همز مدائن كصحيفة وصحائف ، وسفينة وسفائن ، والياء إذا كانت زائدة في الواحد همزت في الجمع كقبائل وقبيلة ، وإذا كانت من نفس الكلمة لم تهمز نحو : معايش ومعيشة ، [ولو كانت مفعلة لم تهمز نحو : معيشة ومعايش ولأنّهم جمعوها أيضا على مدن كقولهم سفينة وسفن وصحف](٢).
قال أبو حيّان (٣) : «ويقطع بأنّها فعيلة جمعهم لها على فعل قالوا : مدن كما قالوا صحف في صحيفة».
قال شهاب الدّين (٤) : «قد قال الزجاجي : المدن في الحقيقة جمع المدين ، لأنّ المدينة لا تجمع على مدن ولكن على مدائن ومثل هذا سفن كأنهم جمعوا سفينة على سفين ثم جمعوه عل سفن» ولا أدري ما حمله على جعل مدن جمع مدين ، ومدين جمع مدينة مع اطّراد فعل على فعيلة لا بمعنى مفعولة ، اللهم إلا أن يكون قد لحظ في مدينة أنّها فعيلة بمعنى مفعولة ؛ لأنّ معنى المدينة أن يمدن فيها أي يقام ، ويؤيّد هذا ما سيأتي أنّ مدينة وزنها في الأصل مديونة عند بعضهم.
القول الثاني : أن وزنها مفعلة من دانه يدينه أي ساسه يسوسه ، فمعنى مدينة أي مملوكة ومسوسة أي مسوس أهلها من دانهم ملكهم إذا ساسهم ، وكان ينبغي أن يجمع على مداين بصريح الياء كمعايش في مشهور لغة العرب.
الثالث : أن وزنها مفعولة ، وهو مذهب المبرّد قال : «هي من دانه يدينه إذا ملكه
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٩) من طريق عطاء عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٩٨) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٢) سقط من أ.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٦٠.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣١٩.