قال الفارسيّ ـ عن أبي عثمان ـ : «أصل أخذ هذه القراءة عن نافع» قال : «ولم يكن يدري ما العربيّة».
قال شهاب الدّين (١) : وقد فعلت العرب مثل هذا ، فهمزوا «منائر ومصائب» جمع «منارة ومصيبة» والأصل «مناور ، ومصاوب» وقد غلّط سيبويه (٢) من قال مصائب ، ويعني بذلك أنّه غلطه بالنسبة إلى مخالفة الجادّة ، وهذا كما تقدّم عنه أنه قال : «واعلم أنّ بعضهم يغلط فيقول : إنّهم أجمعون ذاهبون» [قال] ومنهم من يأتي بها على الأصل فيقول : مصاوب ومناور ، وهذا كما قالوا في جمع «مقال» و «مقام» : «مقاول» و «مقاوم» في رجوعهم بالعين إلى أصلها قال : وأنشد النّحويّون على ذلك : [الطويل]
٢٤٠٧ ـ وإنّي لقوّام مقاوم لم يكن |
|
جرير ولا مولى جرير يقومها (٣) |
ووجه همزها أنّهم شبّهوا الأصليّ بالزّائد فتوهموا أن «معيشة» بزنة «صحيفة» فهمزوها كما همزوا «تيك» قالوا : ونظير ذلك في تشبيههم الأصل بالزائد قولهم في جمع «مسيل» «مسلان» ، توهّموه على أنّه على زنة «قضيب وقضبان» وقالوا في جمعه «أمسلة» كأنّهم توهّموا أنّه بزنة «رغيف ، وأرغفة» وإنّما مسيل وزنه «مفعل» ؛ لأنه من سيلان الماء ، وأنشدوا على «مسيل ، وأمسلة» قول أبي ذؤيب الهذليّ : [الوافر]
٢٤٠٨ ـ بواد لا أنيس به يباب |
|
وأمسلة مذانبها خليف (٤) |
وقال الزّجّاج (٥) : جميع نحاة البصرة يزعمون أنّ همزها خطأ ، ولا أعلم لها وجها إلّا التّشبيه ب «صحيفة» و «صحائف» ، ولا ينبغي التّعويل على هذه القراءة.
قال شهاب الدّين (٦) : وهذه القراءة لم ينفرد بها نافع بل قرأها جماعة جلّة معه ؛ فإنّها منقولة عن ابن عامر الذي قرأ على جماعة من الصّحابة ك «عثمان» و «أبي الدّرداء» و «معاوية» ، وقد سبق ذلك في «الأنعام» (٧) ، فقد قرأ بها قبل ظهور اللّحن ، وهو عربي فصيح وقرأ بها أيضا زيد بن عليّ ، وهو على جانب من الفصاحة والعلم الذي لا يدانيه فيه إلّا القليل ، وقرأ بها أيضا الأعمش والأعرج وكفى بهما في الإتقان والضّبط. وقد نقل الفرّاء (٨) أنّ قلب هذه الياء تشبيها لها بياء «صحيفة» قد جاء ، وإن كان قليلا.
وقوله : «قليلا ما تشكرون» كقوله : «قليلا ما تذكّرون».
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣٧.
(٢) ينظر : الكتاب لسيبويه ٤ / ٣٥٦.
(٣) البيت للأخطل ينظر : ديوانه ٢٣٣ ، الخصائص ٣ / ١٤٥ ، ابن يعيش ١٠ / ٩٠ ، المنصف ١ / ٣٠٦ ، المقتضب ١ / ٢٦٠ ، الدر المصون ٣ / ٢٣٨.
(٤) البيت ينظر : أشعار الهذليين ١ / ١٨٥ ، الدر المصون ٣ / ٢٣٨.
(٥) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٢ / ٣٥٣.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣٨.
(٧) ينظر : تفسير سورة الأنعام آية (١٣٧).
(٨) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٣٧٣.