ربّكم ، ولن تبطلوا آياته ، وهذا من معجزات القرآن الذي لا يأتي مثله في كلام الناس ولا يقدرون عليه يأتي اللفظ اليسير بجميع المعاني الكثيرة.
وإنما أمرهم تعجيزا لهم وقطعا لشبهتهم واستبطالهم ، ولئلا يقولوا : لو تركنا نفعل لفعلنا بمعان كثيرة.
قوله : (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ).
قال القاضي (١) : «لو كان السّحر حقّا لكانوا قد سحروا قلوبهم ، لا أعينهم ، فثبت أنّ المراد أنّهم تخيّلوا أحوالا عجيبة مع أن الأمر في الحقيقة ما كان على وفق ما تخيّلوه».
وقال الواحديّ (٢) : «بل المراد : سحروا أعين النّاس ، أي قلبوها عن صحّة إدراكها ، بسبب تلك التّمويهات».
وقيل : إنهم أتوا بالحبال والعصيّ ولطّخوا تلك الجبال بالزّئبق وجعلوا الزّئبق في دواخل تلك العصي ، فلمّا أثر تسخين الشّمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض ، وكانت كثيرة جدا فتخيّل النّاس أنّها تتحرّك وتلتوي باختيارها وقدرتها.
قوله تعالى : (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) يجوز أن يكون استفعل فيه بمعنى أفعل أي : أرهبوهم ، وهو قريب من قولهم : قرّ واستقرّ ، وعظّم واستعظم وهذا رأي المبرّد.
ويجوز أن تكون السين على بابها ، أي استدعوا رهبة النّاس منهم ، وهو رأي الزجاج (٣).
روي أنّهم بعثوا جماعة ينادون عند إلقاء ذلك : أيها النّاس احذروا. وروي عن ابن عباس أنّه خيل إلى موسى أن حبالهم وعصيهم حيّات مثل عصا موسى ، فأوحى الله ـ عزوجل ـ إليه «أن ألق عصاك» (٤).
وقال المحققون (٥) هذا غير جائز ؛ لأنّه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لما كان نبيا من عند الله كان على ثقة ويقين من أنّ القوم لن يغلبوه ، وهو عالم بأن ما أتوا به على وجه المعارضة من باب السحر والباطل ، ومع هذا الجزم فإنه يمتنع حصول الخوف.
فإن قيل : أليس أنّه تعالى قال : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) [طه : ٦٧].
فالجواب : ليس في الآية أن هذه الخيفة إنّما حصلت لهذا السّبب ، بل لعله عليه [الصّلاة] والسّلام خاف من وقوع التّأخير في ظهور حجّته على سحرهم.
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٦٦.
(٢) المصدر السابق.
(٣) ينظر : معاني القرآن له ٢ / ٤٠٥.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢) عن ابن عباس.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٦٦.