قلت : لأنّ جنس الحسنة وقوعه كالواجب ، لكثرته واتّساعه ، وأمّا السّيّئة فلا تقع إلّا في الندرة ، ولا يقع إلّا شيء منها ، وهذا من محاسن علم البيان.
قوله «يطّيّروا» الأصل : «يتطيّروا» فأدغمت التّاء في الطّاء ، لمقاربتها لها.
وقرأ عيسى بن عمر (١) وطلحة بن مصرف «تطيّروا» بتاء من فوق على أنّه فعل ماض وهو عند سيبويه وأتباعه ضرورة. إذ لا يقع فعل الشّرط مضارعا ، والجزاء ماضيا إلّا ضرورة ، كقوله: [الخفيف]
٢٥٥١ ـ من يكدني بسيّىء كنت منه |
|
كالشّجى بين حلقه والوريد (٢) |
وقوله : [البسيط]
٢٥٥٢ ـ إن يسمعوا سبّة طاروا بها فرحا |
|
منّي وما يسمعوا من صالح دفنوا (٣) |
وقد تقدّم الخلاف في ذلك. والتّطير : التّشاؤم ، وأصله : أن يفرّق المال ويطير بين القوم فيطير لكلّ أحد حظّه ، ثمّ أطلق على الحظّ ، والنّصيب السّيّىء بالغلبة.
وأنشدوا للبيد : [الوافر]
٢٥٥٣ ـ تطير عدائد الأشراك شفعا |
|
ووترا والزّعامة للغلام (٤) |
الأشراك جمع شرك ، وهو النّصيب. أي : طار المال المقسوم شفعا للذّكر ، ووترا للأنثى والزّعامة : أي : الرّئاسة للذكر ، فهذا معناه : تفرّق ، وصار لكل أحد نصيبه ، وليس من الشّؤم في شيء ، ثم غلب على ما ذكرناه.
قوله : «ألا إنما طائرهم عند الله» أي حظّهم ، وما طار لهم في القضاء والقدر ، أو شؤمهم أي : سبب شؤمهم عند الله ، وهو ما ينزله بهم.
قال ابن عباس : يريد شؤمهم عند الله ، أي من قبل الله ، أي : إنما جاءهم الشّرّ بقضاء الله وحكمه.
قال الفرّاء : وقد تشاءمت اليهود بالنبي ـ عليهالسلام ـ ب «المدينة» ، فقالوا : غلت أسعارنا ، وقلّت أمطارنا مذ أتانا ، وكثرت أمواتنا.
ثم أعلم الله على لسان رسوله ـ عليهالسلام ـ أن طيرتهم باطلة ، فقال : «لا طيرة ولا هامة» وكان النبي عليهالسلام يتفاءل ولا يتطيّر.
وأصل الفأل : الكلمة الحسنة ، وكانت العرب مذهبها في الفأل والطّيرة واحدا ،
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٧٠ ، الدر المصون ٣ / ٣٢٧.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) البيت في ديوانه (٢٠٠) ، مجالس ثعلب ١ / ٧٨ ، أمالي القالي ١ / ٩٥ ، اللسان (شرك) ، الدر المصون ٣ / ٣٢٨.