فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم |
|
عروش الّذين استرهنوا قوس حاجب (١) |
وهذه الوقعة إنّما كانت في أسلافهم.
والترّتيب أيضا واضح على هذا.
ومن قال : إن الأولى للتّرتيب الزّماني ، والثّانية للتّرتيب الإخباريّ اختلفت عباراتهم أيضا. فقال بعضهم : المراد بالخطاب الأوّل آدم ، وبالثّاني ذرّيّته ، والترتيب الزّمانيّ واضح و «ثمّ» الثّانية للتّرتيب الإخباريّ.
وقال بعضهم : ولقد خلقناكم في ظهر آدم ثمّ صوّرناكم في بطون أمهاتكم.
وقال بعضهم : [ولقد خلقنا] أرواحكم ثم صوّرنا أجسامكم ، وهذا غريب نقله القاضي أبو عليّ (٢) في «المعتمد».
وقال بعضهم : خلقناكم نطفا في أصلاب الرّجال ، ثمّ صوّرناكم في أرحام النّساء.
وقال بعضهم : ولقد خلقناكم في بطون أمّهاتكم وصوّرناكم فيها بعد الخلق بشقّ السّمع والبصر ، ف «ثمّ» الأولى للتّرتيب الزّمانيّ ، والثانية للترتيب الإخباري أي : ثم أخبركم أنا قلنا للملائكة.
وقيل : إنّ «ثمّ» الثانية بمعنى «الواو» [أي] وقلنا للملائكة فلا تكون للتّرتيب.
وقيل : فيه تقديم وتأخير تقديره : ولقد خلقناكم يعني آدم ، ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا ، ثمّ صوّرناكم.
وقال بعضهم : إنّ الخلق في اللّغة عبارة عن التقدير ، وتقدير الله عبارة عن علمه بالأشياء ومشيئته بتخصيص كلّ شيء بمقداره المعيّن ، فقوله «خلقناكم» إشارة إلى حكم الله ، وتقديره لإحداث البشر في هذا العالم.
وقوله «صوّرناكم» إشارة إلى أنّه تعالى [أثبت في اللّوح المحفوظ صورة كل كائن يحدث](٣) إلى يوم القيامة ، فخلق الله تعالى عبارة عن حكمه ومشيئته ، والتّصوير عبارة عن إثبات صور الأشياء في اللّوح المحفوظ. ثم بعد هذين الأمرين أحدث الله تعالى آدم ، وأمر الملائكة بالسّجود.
قال ابن الخطيب (٤) : وهذا التّأويل عندي أقرب من سائر الوجوه.
وقد تقدّم الكلام في هذا السّجود ، واختلاف الناس فيه في سورة البقرة.
قوله : «إلّا إبليس» تقدّم الكلام عليه في البقرة (٥). وكان الحسن يقول : إبليس لم
__________________
(١) البيتان لأبي تمام ينظر : ديوانه ٤٢ ، الخزانة ١ / ٣٥٤ ، البحر ٤ / ٢٧٢ ، الدر المصون ٣ / ٢٣٩.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣٩.
(٣) في أ : قال.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٢٦.
(٥) ينظر تفسير سورة البقرة الآيات (٤٠ ـ ٤٢)