قوله : «بأنّهم» الباء للسببيّة ، أي : أغرقناهم بسبب تكذيبهم بآياتنا ، وكونهم عنها غافلين ، أي : غافلين عن آياتنا ، فالضّمير في عنها يعود على الآيات ، وهذا هو الظّاهر.
وبه قال الزّجّاج (١) وغيره.
وقيل : يجوز أن يعود على النّقمة المدلول عليها ب «انتقمنا» ويعزى هذا لابن عباس ، وكأن القائل بذلك تخيّل أنّ الغفلة عن الآيات عذر لهم من حيث إنّ الغفلة ليست من كسب الإنسان.
وقال الجمهور : إنّهم تعاطوا أسباب الغفلة ، فذمّوا عليها ، كما يذمّ الناس على نسيانه لتعاطيه أسبابه.
فصل
قوله : «وأورثنا» يتعدى لاثنين ، لأنّه قبل النّقل بالهمزة متعدّ لواحد نحو : ورثت أبي ، فبالنّقل اكتسب آخر.
فأولهما : القوم والّذين وصلته في محل نصب نعتا له.
وأما المفعول الثّاني ففيه ثلاثة أوجه ، أظهرها : أنّه (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا).
وفي قوله : (الَّتِي بارَكْنا فِيها) على هذا وجهان : أحدهما : أنّه نعت ل : مشارق ومغارب. والثاني : أنّه نعت للأرض ، وفيه ضعف من حيث الفصل بالمعطوف بين الصفة والموصوف.
وهو نظير قولك : قام غلام هند وزيد العاقلة.
وقال أبو البقاء (٢) هنا : وفيه ضعف ؛ لأنّ فيه العطف على الموصوف قبل الصّفة.
وهذا سبق لسان أو قلم ؛ لأنّ العطف ليس على الموصوف ، بل على ما أضيف إلى الموصوف.
والثاني من الأوجه الثلاثة : أن المفعول الثاني هو : (الَّتِي بارَكْنا فِيها) أي : أورثناهم الأرض التي باركنا فيها.
وفي قوله تعالى : (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) وجهان : أحدهما : هو منصوب على الظّرف ب «يستضعفون». والثاني : أنّ تقديره : يستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها فلمّا حذف الحرف وصل الفعل بنفسه ؛ فنصب ، هكذا قال أبو البقاء.
قال شهاب الدّين : ولا أدري كيف يكونان وجهين ، فإنّ القول بالظّرفية هو عين القول بكونه على تقدير في ؛ لأنّ كلّ ظرف مقدّر ب «في» فكيف يجعل شيئا واحدا شيئين؟
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٢ / ٤١٠.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٢٨٣.