قال أبو حيان (١) : «وحذف المفعول الثّالث في باب «أعلم» لدلالة المعنى عليه جائز ، فيجوز في جواب : هل أعلمت زيدا عمرا منطلقا؟ أعلمت زيدا عمرا ، وتحذف «منطلقا» لدلالة الكلام السّابق عليه».
فصل
قال شهاب الدّين (٢) : هذا مسلّم ، لكن أين الدّليل عليه في الكلام ، كما في المثال الذي أبرزه الشّيخ؟
ثم قال : «وأمّا تعليله بأنّها داخلة على الخبر لا يدلّ على المنع ، لأنّ خبر المبتدأ يجوز حذفه اختصارا ، والثاني ، والثّالث في باب «أعلم» يجوز حذف كلّ منهما اختصارا».
قال شهاب الدّين : «حذف الاختصار لدليل ، ولا دليل هنا».
ثم قال : «وفي قوله لأنّها ـ أي : «سأريكم» ـ داخلة على المبتدأ ، والخبر تجوّز» ويعني أنّها قبل النّقل بالهمزة داخلة على المبتدأ والخبر. وقرأ الحسن (٣) : «سأوريكم» بواو خالصة بعد الهمزة وفيها تخريجان : أحدهما قاله الزمخشريّ ـ : «وهي لغة فاشية بالحجاز يقال : أورني كذا وأوريته ، فوجهه أن يكون من أوريت الزّند ، فإن المعنى : بيّنه لي وأنره لأستبينه».
والثاني : ـ ذكره ابن جنيّ ـ وهو أنّه على الإشباع ، فيتولّد منها الواو ، قال «وناسب هذا كونه موضع تهديد ووعيد فاحتمل الإتيان بالواو».
قال شهاب الدّين : وهذا كقول الشاعر : [البسيط]
٢٥٧٣ ـ الله يعلم أنّا في تلفّتنا |
|
يوم اللّقاء إلى أحبابنا صور |
وأنّني حيثما يثني الهوى بصري |
|
من حيثما سلكوا أدنو فأنظور (٤) |
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٨٨.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٤١.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ١٥٨ ، والبحر المحيط ٤ / ٣٠٨ ، والدر المصون ٣ / ٣٤١.
(٤) استشهد ابن هشام بالبيت الثاني في قوله : «أدنو فأنظور» على أن الواو واو الإشباع أشبعت ضمة الظاء فنشأت الواو (مغني اللبيب ٢ / ٣٦٨ رقم ٥٩٢ ، أسرار العربية للأنباري ٤٥٠ ، المفصل لابن يعيش ح ١٠ / ١٠٦).
واستشهد به من ذهب إلى أن حركة الإعراب على الباء في كلمة «أب» من الأسماء الستة أما الواو والألف والياء فنشأت عن إشباع حركات الإعراب مستدلا بقول الشاعر في البيت السابق : «فأنظور» فالواو ناتجة عن إشباع الضمة لأنه أراد «فأنظر» (الإنصاف ـ ١٥).
كما استشهد أبو حيان بقوله : «من حيث ما سلكوا» على أن «ما» زائدة ، وذهب الزجاج إلى أن «حيث» موصولة وليست مضافة ، فهي في هذا بمنزلة «الذي» توصل بالجملة فيكمل بها اسما ، ولا موضع لها للجمل في الأصل ، ولا يجوز على هذا أن يعمل عامل في صلة حيث ، كما لا يعمل في صلة الذي ـ