نظم لم يسمع قبل القرآن ، ولم تعرفه العرب ، ولم يوجد ذلك في أشعارهم ، ويدلّ على صحّة ذلك أنّ شعراء الإسلام لما سمعوا هذا النّظم واستعملوه في كلامهم خفي عليهم وجه الاستعمال ، لأنّ عادتهم لم تجر به.
فقال أبو نواس : [الرجز]
٢٥٧٦ ـ ونشوة سقطت منها في يدي (١)
وأبو نواس هو العالم النّحرير ، فأخطأ في استعمال هذا اللفظ ، لأنّ «فعلت» لا يبنى إلّا من فعل متعدّ ، و «سقط» لازم ، لا يتعدّى إلّا بحرف الصفة لا يقال : «سقطت» كما لا يقال : رغبت وغضبت ، إنّما يقال : رغب فيّ ، وغضب عليّ ، وذكر أبو حاتم : «سقط فلان في يده» بمعنى ندم. وهذا خطأ مثل قول أبي نواس ، ولو كان الأمر كذلك لكان النّظم (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) و «سقط القوم في أيديهم».
وقال أبو عبيدة : «يقال لمن على أمر وعجز عنه : سقط في يده».
وقال الواحديّ : «وذكر اليد ههنا لوجهين أحدهما : أنه يقال للّذي يحصل وإن كان ذلك ممّا لا يكون في اليد : «قد حصل في يده مكروه» يشبه ما يحصل في النّفس وما يحصل في القلب بما يرى بالعين ، وخصّت اليد بالذّكر ؛ لأنّ مباشرة الذّنوب بها. فاللأئمة ترجع عليها ، لأنّها هي الجارحة العظمى ، فيسند إليها ما لم تباشره ، كقوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) [الحج : ١٠] وكثير من الذّنوب لم تقدّمه اليد».
الوجه الثاني : أنّ النّدم حدث يحصل في القلب ، وأثره يظهر في اليد ؛ لأنّ النّادم يعضّ يده ، ويضرب إحدى يديه على الأخرى كقوله : (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) [الكهف : ٤٢] فتقليب الكفّ عبارة عن النّدم ، وكقوله : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) [الفرقان : ٣٧] فلمّا كان أثر النّدم يحصل في اليد من الوجه الذي ذكرناه أضيف سقوط النّدم إلى اليد ؛ لأنّ الذي يظهر للعيون من فعل النّادم هو تقليب الكفّ وعضّ الأنامل واليد كما أنّ السّرور معنى في القلب يستشعره الإنسان ، والذي يظهر منه حالة الاهتزاز والحركة والضّحك وما يجري مجراه.
وقال الزمخشريّ : «ولمّا سقط في أيديهم» أي ولمّا اشتدّ ندمهم ؛ لأنّ من شأن من اشتدّ ندمه وحسرته أن يعضّ يده غما ، فتصير يده مسقوطا فيها ، لأنّ فاه قد وقع فيها.
وقيل : من عادة النّادم أن يطأطىء رأسه ، ويضع ذقنه على يده معتمدا عليها ، ويصير على هيئة لو نزعت يده لسقط على وجهه ، فكأنّ اليد مسقوط فيها. ومعنى «في» «على» ، فمعنى «في أيديهم» كقوله : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١].
وقيل : هو مأخوذ من السّقاط ، وهو كثرة الخطأ ، والخاطىء يندم على فعله.
__________________
(١) ينظر : حاشية الشهاب ٤ / ٢٢٠ ، مجمع الأمثال ٢ / ١٠٢ ، والدر المصون ٣ / ٣٤٥.