وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : إنّ أبا بكر رجل أسيف أي : حزين (١).
قال الواحديّ : «والقولان متقاربان ؛ لأنّ الغضب من الحزن ، والحزن من الغضب» ؛ قال : [البسيط]
٢٥٧٩ ـ .......... |
|
فحزن كلّ أخي حزن أخو الغضب (٢) |
وقال الأعشى : [الطويل]
٢٥٨٠ ـ أرى رجلا منهم أسيفا كأنّما |
|
يضمّ إلى كشحيه كفّا مخضّبا (٣) |
فهذا بمعنى : غضبان ، وحديث عائشة يدلّ على أنّه : الحزين ، فلمّا كانا متقاربين في المعنى صحّت البدليّة.
ويقال : رجل أسف : إذا قصد ثبوت الوصف واستقراره ، فإن قصد به الزّمان جاء على فاعل.
فصل
اختلفوا في هذه الحال.
فقيل : إنّه عند هجومه عليهم ، عرف ذلك.
وقال أبو مسلم : بل كان عارفا بذلك من قبل ؛ لقوله تعالى : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) وإنّما كان راجعا قبل وصوله إليهم.
وقال تعالى ـ لموسى عليه الصّلاة والسّلام ـ في حال المكالمة (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) [طه : ٨٥].
__________________
ـ بالهم غير مأسوف عليه» وهو توجيه ليس بشيء لما يلزم عليه من التكلفات البعيدة لأن العبارة الواردة في البيت لا تصير إلى هذا إلا بتكلف كثير.
التوجيه الثالث : لابن الخشاب ، وحاصله أن قوله «غير» خبر لمبتدأ محذوف تقديره «أنا غير ـ الخ» وقوله «مأسوف» ليس اسم مفعول ، بل هو مصدر مثل «الميسور والمعسور والمجلود والمحلوف» وأراد به هنا اسم الفاعل فكأنه قال «أنا غير آسف ـ الخ».
(١) متفق عليه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٢ / ١٧٢ ـ ١٧٣ ، كتاب الأذان باب إنما جعل الإمام ليؤتم به الحديث (٦٨٧) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٣١١ ـ ٣١٢ ، كتاب الصلاة باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر الحديث (٩٠ / ٤١٨).
(٢) عجز بيت للمتنبي وصدره :
جزاك ربك بالإحسان مغفرة
ينظر : ديوانه ١ / ٩٤ ، الوساطة (٣٨١) ، وشرح الديوان للعكبري ١ / ٩٤ ، ومفردات الراغب ١٧ ، وتاج العروس ٦ / ٤٠ ، والدر المصون ٣ / ٣٤٧.
(٣) ينظر : ديوانه ص ١٦٥ ، الإنصاف ٢ / ٧٧٦ ، مجالس ثعلب ١ / ٣٨ ، أمالي ابن الشجري ١ / ١٥٨ ، جمهرة اللغة ص ٢٩١ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤٥٨ ، الأشباه والنظائر ٥ / ٢٣٥ ، اللسان (خضب) ، الدر المصون ٣ / ٣٤٧.