وابن وثّاب وابن مصرف والجحدريّ والأعمش ، وأيّوب ، وباقي السبعة بياء الغيبة فيهما ، «ربّنا» رفعا ، وهي قراءة الحسن ، ومجاهد ، والأعرج وشيبة وأبي جعفر. فالنّصب على أنّه منادى ، وناسبه الخطاب ، والرّفع على أنّه فاعل ، فيجوز أن يكون هذا الكلام صدر من جميعهم على التّعاقب ، أو هذا من طائفة ، وهذا من طائفة ، فمن غلب عليه الخوف ، وقوي على المواجهة ؛ خاطب مستقيلا من ذنبه ، ومن غلب عليه الحياء أخرج كلامه مخرج المستحي من الخطاب ؛ فأسند الفعل إلى الغائب.
قال المفسّرون : وكان هذا النّدم والاستغفار منهم بعد رجوع موسى إليهم.
قوله تعالى : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً :) هذان حالان من «موسى» عند من يجيز تعدّد الحال ، وعند من لا يجيزه يجعل «أسفا» حالا من الضّمير المستتر في «غضبان» ، فتكون حالا متداخلة ، أو يجعلها بدلا من الأولى ، وفيه نظر لعسر إدخاله في أقسام البدل.
وأقرب ما يقال : إنّه بدل بعض من كل إن فسّرنا الأسف بالشّديد الغضب ، وهو قول أبي الدّرداء (١) وعطاء عن ابن عبّاس (٢) ، واختيار الزّجّاج ، واحتجّوا بقوله : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) [الزخرف : ٥٥] أي : أغضبونا ، أو بدل اشتمال إن فسّرناه بالحزين.
وهو قول ابن عباس والحسن ، والسّدّي ، ومنه قوله : [المديد]
٢٥٧٨ ـ غير مأسوف على زمن |
|
ينقضي بالهمّ والحزن (٣) |
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٦٤) عن أبي الدرداء.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٠) والقرطبي (٧ / ١٨٢).
(٣) البيت لأبي نواس. ينظر : سيبويه ١ / ٣٢ ، ابن الشجري ١ / ٣٢ ، خزانة الأدب ١ / ٣٤٥ ، الخصائص ١ / ٤٧ ، منهج السالك ١ / ١٩١ ، سفر السعادة ١ / ١٥٦ ، المغني ١ / ١٥٩ ، الهمع ١ / ٩٤ ، ابن عقيل ١ / ١٩١ ، روح المعاني ٩ / ٦٦ ، العيني ١ / ٥١٣ ، الخزانة ١ / ٣٤٥ ، الأشموني ١ / ١٩١ ، الدرر اللوامع ١ / ٧٢ ، أمالي ابن الحاجب ص ٦٣٧ ، الأشباه والنظائر ٣ / ٩٤ ، ٥ / ٢٨٩ ، ٦ / ١١٣ ، ٧ / ٢٥ ، تذكرة النحاة ص ١٧١ ، ٣٦٦ ، ٤٠٥ ، همع الهوامع ١ / ٩٤ ، الدر المصون ٣ / ٣٤٦.
المبتدأ : قسمان : قسم له خبر ، وقسم له فاعل أو نائب عنه يغني عن الخبر ، وهو الوصف سواء كان اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة أو منسوبا وشرطه أن يكون سابقا وأن يكون مرفوعه منفصلا سواء كان ظاهرا أم ضميرا نحو أقائم أنتما ، ومنع الكوفيون الضمير فلا يجيزون إلا : أقائمان أنتما أو استفهام بأي أدوانهما كما ولا وإن وغير. كالشاهد الذي معنا الذي استشهد به في قوله : «غير مأسوف على زمن» حيث أجرى قوله : «على زمن» النائب عن الفاعل مجرى الزيدين في قولك : «ما مضروب الزيدان» في أن كل واحد منهما سد مسد الخبر ؛ لأن المتضايفين بمنزلة الاسم الواحد فحيث كان نائب الفاعل يسد مع أحدهما مسد الخبر ، فإنه يسد مع الآخر أيضا ، وكأنه قال : «ما مأسوف على زمن» هذا توجيه ابن الشجري في أماليه.
التوجيه الثاني : لابن جني وابن الحاجب وهو أن ـ غير ـ خبر مقدم ، وأصل الكلام : «زمن ينقضي ـ