بنو إسرائيل عن السّبعين إذا عاد إليهم ، ولم يصدقوا أنهم ماتوا.
فقال لربه : لو شئت أهلكتنا قبل خروجنا للميقات ، فكان بنو إسرائيل يعاينون ذلك ، ولا يتهموني.
وقيل : إنّ تلك الرّجفة ما كانت موتا ، ولكن القوم لمّا رأوا تلك الحالة المهيبة أخذتهم الرعدة ، ورجفوا حتى كادت تبين منهم مفاصلهم ، وخاف موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ الموت فعند ذلك بكى ، ودعا ؛ فكشف الله عنهم الرعدة.
قوله : «لميقاتنا» متعلق ب «اختار» أي : لأجل ميقاتنا ، ويجوز أن يكون معناها الاختصاص أي : اختارهم مخصصا بهم الميقات ، كقولك : اختر لك كذا.
قوله «لو شئت» مفعول المشيئة محذوف ، أي : لو شئت إهلاكنا ، و «أهلكتهم» جواب «لو» والأكثر الإتيان باللّام في هذا النحو ولذلك لم يأت مجردا منها إلّا هنا وفي قوله : (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ) [الأعراف : ١٠٠] وفي قوله : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) [الواقعة : ٧٠].
ومعنى من قبل أي قبل الاختيار ، وأخذ الرّجفة.
وقوله : «وإيّاي» قد يتعلّق به من يرى جواز انفصال الضمير مع القدرة على اتصاله ، إذ كان يمكن أن يقال : أهلكتنا. وهو تعلّق واه جدا ، لأنّ مقصوده صلىاللهعليهوسلم التنصيص على هلاك كلّ على حدته تعظيما للأمر ، وأيضا فإنّ موسى لم يتعاط ما يقتضي إهلاكه ، بخلاف قومه. وإنّما قال ذلك تسليما منه لربّه ، فعطف ضميره تنبيها على ذلك ، وقد تقدم نظير ذلك في قوله : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ) [النساء : ١٣١] وقوله : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) [الممتحنة : ١].
قوله : «أتهلكنا» يجوز فيه أن يكون على بابه أي : أتعمّنا بالإهلاك أم تخصّ به السفهاء منّا؟ ويجوز أن يكون بمعنى النّفي ، أي : ما تهلك من لم يذنب بذنب غيره ، قاله ابن الأنباري.
قال وهو كقولك : «أتهين من يكرمك»؟ وعن المبرّد هو سؤال استعطاف ومنّا في محل نصب على الحال من السّفهاء ويجوز أن يكون للبيان.
قوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ).
قال الواحديّ : الكناية في قوله هي عائدة على الفتنة كما تقول : إن هو إلّا زيد ، وإن هي إلّا هند ، والمعنى : أنّ تلك الفتنة التي وقع فيها السّفهاء لم تكن إلّا فتنتك أضللت بها قوما فافتتنوا ، وعصمت قوما فثبتوا على الحق. ثمّ أكّد بيان أنّ الكل من الله تعالى ، فقال : (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ).
ثم قال الواحديّ : وهذه الآية من الحجج الظّاهرة على القدريّة التي لا يبقى لهم معها عذر.